الجمعة، 26 أغسطس 2011

مدام نهاد

شارك برايك يهمنا Feedback Feedback mhassanabo@gmail.com maboeleneen@yahoo.com

مدام نهاد August 26th, 2011 10:50 am

هكذا كنت أناديها وهكذا أسميها حتى الآن، كلما تكلمت عنها «مدام نهاد»، والغريب أننى لم أشعر أبدا بأن كلمة «مدام» تعنى درجة من البعد أو الغربة ولا هى.. أعتقد.
والغريب أننى لم أحاول أبدا أن أناديها باسمها مجردا رغم أنها سترحب.. أثق.
والغريب أننى لم أقابل إنسانا قادرا على التقاط مشاعرى وأفكارى وتفهمها مثلها.. أعتذر لكل أصدقائى. والغريب أننى ما زلت رغم كل هذه السنوات أتوقع أن أقابلها صدفة وأن تحتضننى بنظراتها.
كل ما بيننا غريب يحدث مرة واحدة فى العمر.
«مدام نهاد جاد مديرة التحرير».. «صاحبتى نجلاء المجنونة»، هكذا عرفتنا صديقتى سلوى الخطيب وتركتنى فى مكتبها واختفت «اقعدى يا نجلاء» نظرت إلىّ من فوق نظارة القراءة، وعادت إلى قراءة مجلة مكتوبة بالإنجليزية وجلست أتأملها.
قالت دون أن ترفع عينها عن المجلة: تعرفى يا نجلاء أنا كنت شكلك كده أول ما جيت «صباح الخير» تصدقى كنت رفيعة جدا زيك تمام ومنكوشة، ونظرت إلى شعرى المشعث بحب، بس كنت أصغر منك شوية، إنت كام.. 22 سنة؟ هززت رأسى موافقة، أكملت أنا كان عندى 19 سنة، مرة قابلتنى الست روزا بين المكاتب فى روزا القديمة وقالت لى باين عليكى بتعرفى تكتبى للأطفال؟ ما أقدرتش أرد عليها من الخوف قالت خلاص اكتبى أطفال وكتبت.
ربما كانت كلماتها عن الشبه بيننا هى التى جعلتنى أظل أحاول ولا أملّ من تكرار المحاولة أن أتشبه بها، كنت أسألها رأيها فتقول وأفعل.. ثم أصبحت أحاول تخيل ردود أفعالها تجاه المواقف التى تحيرنى وأقلدها ولكنه يظل تقليدا.
اكتشفت بعد رحيلها بخمس سنوات أننى أتامل أظفارى كما كانت تفعل فى المواقف المؤثرة. شكت لها إحدى صديقاتى منى فعاتبتنى قائلة «صاحبتك يعنى صاحبتك مهما غلطت حتى لو قتلت قتيل اتعلمى ما تشتغليش قاضى ممكن تكونى مكانها وتطلبى منها تساعدك فى إخفاء الجثة».
كانت تقول لى «الصغيرين دايما أحسن من الكبار، لأن الزمن بيسيب علاماته المؤلمة على نفسية الكبار ومشاعرهم، دايما الأصغر أكثر نقاء». وكانت تطبق هذا المبدأ ببساطة فكانت تحتضن كل الصغار وكانت واحدة منهم تساندهم وتدعمهم وتستمع إلى قصص حبهم الفاشلة، وتبحث لهم عن أى مصدر دخل وتزوجهم وتخوض معاركهم فى العمل.
كانت تفعل هذا دون أى تذمر أو أى شعور بالتعب، ودون أن تفرض رأيها على أى منا ودون أن تنتظر مقابلا.
عندما رحلت عن الدنيا شعرت بأننى فجأة بلا حماية وكأننى أخوض حربا وفجأة أصبح ظهرى مكشوفا للعدو. شعرت بأن موتها ظلم وقع علىّ وحدى، وكان أصدقائى يلوموننى على هذا الشعور قائلين «استغفرى ربنا»، لكننى كنت أعرف أن الله يعلم ما بقلبى.
فى آخر لقاء لنا قالت لى أنا حاسة إنى انسحبت فعلا من الحياة، زى ما أكون باتفرج على فيلم فأدركت أننى لن أراها مرة أخرى، قلت لها أنا عندى مشاكل كتير ومحتاجة آخد رأيك فقط لكى أثير اهتمامها، ففوجئت بمدام زينب صادق صديقتها المقربة تقول لى بعد رحيلها بشهر، نهاد وصتنى عليكى آخر يوم فى حياتها قالت إن عندك مشكلة عايزة تاخدى رأيها!
الله يرحمك يا مدام نهاد.. وحشتينى فقررت أن أعيد نشر مقاطع من مقال كتبته فى الدستور الأول الأسبوعى.
يأتى هذه الأيام عيد ميلادها بعد واحد وعشرين عاما من رحيلها.. فأتذكرها ويزداد شعورى بالوحشة والوحدة والحنين إلى سند وحماية وحب دون شروط.

ليست هناك تعليقات:

قران كريم