الجمعة، 26 أغسطس 2011

مخدرات سياسية!

شارك برايك يهمنا Feedback Feedback mhassanabo@gmail.com
 maboeleneen@yahoo.com

إشارات وتنبيهات August 26th, 2011 10:26 am

لازالت تفاعلات قضية الشابين المسيحيين الذين تعرضا للإعتداء على أحد شواطئ الإسكندرية تثير الردود والتعليقات بشكل أتمنى أن يحدث مع كل قضية إنتهاك أو إعتداء يتعرض لها أى مواطن أيا كانت ديانته أو جنسه أو طبقته الإجتماعية أو حالته المادية. مثلما حدث فى قضية إختفاء الشاب محمد بلال لم نسمع شيئا من وزارة الداخلية التى يبدو أنها عادت سريعا إلى مرحلة الطناش التى كانت قد خاصمتها لعدة أشهر بعد الثورة حين كنت أتلقى ردا على كل ما أنشره عن أى إنتهاك لحقوق الإنسان، فهل كانت تلك مرحلة وراحت لحالها، أم أن مسؤولى الداخلية لا يجيدون التعامل مع البريد إلالكترونى، مع أن لديهم ضباطا متخصصين فى إختراقه والتجسس عليه.على أية حال أملى كبير فى أن يشكل هذا العمود على قد طاقته جسر تواصل بين جميع المواطنين وبين الجهات المسؤولة وبين المنظمات الحقوقية مثل الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز النديم ومركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان ومركز هشام مبارك وغيرها من المنظمات الجادة التى ستتضاعف فاعليتها وتأثيرها عندما تحكم هذه البلاد سلطة مدنية منتخبة لن تفوت حالة إنتهاك واحدة دون أن تحاسب من قام بها، وإذا كان البعض يكتفى بالنواح والولولة ونشر التشاؤم فلا ينبغى لمن رأى آيات الله فى الظالمين وهى تتنزل أمامه أن يكف عن العمل والأمل.
الدكتور صلاح البحراوى مدير مستشفى مبرة العصافرة غرب أرسل إلينا ردا حول إتهام للمستشقى بالإهمال فى إسعاف غريق إسمه مينا ضمن الواقعة التى نشرتها يوم الجمعة الماضية، حيث أكد أنه حضر بالفعل إلى المستشفى فى الساعة السادسة والنصف تقريبا شخص أراد الدكتور أن يحتفظ بإسمه وكان يعانى من حالة غرق أدى إلى توقف بالقلب وفشل تنفس وتم إستقباله من قبل طبيب الطوارئ وهو متخصص فى الطب الحرج وقام بعملية إنعاش للقلب وتركيب أنبوبة قصبة هوائية وعمل تنفس صناعى للمريض لمحاولة إنقاذ حياته وذلك لمدة ثلاثين دقيقة ولكن القلب لم يستجب وتم إعلان وفاة المريض لأهله ومرافقيه فى السابعة وخمس دقائق وتم إبلاغ الشرطة بالحادث، وقام مرافقو المتوفى بشكر الطبيب وطاقم التمريض على مجهودهم. نافيا مانشر عن تهاون المستشفى فى إصدار تقرير طبى لأنها تتمتع بمصداقية عالية مؤكدا أن بها عدد كبير من الأطباء من الإخوة المسيحيين يعملون جنبا إلى جنب مع إخوتهم المسلمين فى مختلف الأقسام دون أى تمييز، لأننا نؤمن تمام الإيمان بأن مبدأ المواطنة هو الحاكم وأن الدين لله والوطن للجميع.
بطل الواقعة المهندس فيكتور ابراهيم فهمى أرسل يشكرنى على مانشرته، وقال معلقا على بعض تعليقات القراء أنه لا يشعر بهوس الإضطهاد المستمر، وأن كل طلابه وأصدقائه من المسلمين يشهدون له بالإعتدال، لكنه لم يكن مغاليا عندما قال أن ماتعرض له على الشاطئ من ضرب وشتيمة وسب للدين كان على أساس دينى، أما بقية الواقعة فقد كان يهدف منها إلى إظهار مايحدث فى مصر من سلبية وفساد يتعرض له المسلمون والمسيحيون معا، “للأسف فإن كلمة رمضان كريم لم تعد ترتبط لدينا بالعمل والإجتهاد، بل أصبحت ترتبط بالتفويت وتكبير الدماغ وتعطيل الشغل والتنازل عن الحقوق، وكل ماحدث فى الواقعة لن يغير من بشاعته شيئا لو كان حدث لشخص إسمه محمد، والفساد الموجود فى الأقسام لا يفرق بين دين ولون”. أرسل إلى فيكتور تسجيلا صوتيا للحوار الذى دار بينه وبين مدير شركة الغواصين فى اليوم التالى للحادث وهو تسجيل يحتوى على قدر كبير من الإهانات التى لا تليق ولا تصح لا فى رمضان ولا فى غير رمضان. تمنياتى له بالتوفيق فى أخذ حقه وأن يكون قدوة لكل من يتعرض للظلم أو التمييز.
كان أحد القراء قد علق قائلا عن الحكمة من نشر هذه الوقائع التى يمكن أن تستغلها أطراف خارجية لتضخيم مايتعرض له المسيحيون فى مصر، وأعتقد أنه الآن بعد أن رأى ردود الفعل الإيجابية يعرف أن الحكمة كل الحكمة تقتضى ألا ندفن رؤوسنا فى الرمال وأن نواجه أنفسنا بكل واقعة سلبية كبيرة كانت أو صغيرة، لأن ذلك لا يعطى فقط الكثير من العزاء للمظلوم فيشعر أنه ليس وحيدا فى مواجهة الظلم، بل لأنه يجعلنا نواجه أنفسنا بأخطائنا وعيوبنا ونعرضها لشمس الحقيقة بدلا من الكمكمة والعفونة. على نفس المنوال أتلقى رسائل تهاجمنى لأننى أهاجم الإنتهاكات التى يتعرض لها المدنيون على أيدى الشرطة العسكرية، معتبرا أن ذلك يتناقض مع دعوتى المستمرة للحذر من الوقيعة بين الجيش والشعب وهو مايمكن أن يعرض البلاد لأخطار كثيرة على رأسها فى رأيى خطر الوقوع تحت الحكم العسكرى من جديد، وللأسف فإن هذا النوع من التفكير ناتج عن عدم قدرتنا على التفكير المركب الذى لا خلاص لنا إلا به، بالمناسبة أنا لم أولد وأنا أفكر هكذا، فقد كنت كغيرى من الذين ينظرون إلى الدنيا كلها على طريقة يا أبيض يا إسود، لكننى توقفت عن ذلك يوما بعد يوم بفعل القراءة المستمرة والحرص على التعلم من التجارب التاريخية، لذلك أؤمن بأنه لا يعنى أن يدفعنا الحرص على وحدة المؤسسة العسكرية وإحترامنا لها بأن نمتنع عن مواجهة قادتها بأخطائهم، إذا حدث إنتهاك لحقوق الإنسان يجب أن نواجهه بقوة دون أن تدفعنا هذه القوة إلى التهور وإشعال النار فى البلاد. هذا منهجى ولا أفرضه على أحد، أنا من الذين يحبون أن يعرفوا لأقدامهم قبل الخطو موضعها، ولا أصادر على المتهورين والمنفلتين حقهم فى أن يفعلوا مايشاؤون، لذلك لا أغضب عندما تأتينى رسائل تتهمنى بالتخاذل أمام العسكر فى نفس الوقت الذى تأتينى فيه رسائل تتهمنى بالتحريض على الجيش، ليس لأننى جبلة أو لا تهزنى الشتائم، بل لأننى أعذر كل من يرسل هذه الرسائل لأنه يرى فى الإنحياز الكامل لطرف ما أمرا أكثر مبدئية أو ربما يجده أسهل بكثير، لكنه سيكتشف يوما ما مثلما اكتشفت أنه لا يوجد تناقض بين أن يكون للإنسان مواقف مبدئية ثابتة ضد الظلم والإستبداد والفساد، وبين أن يظل محافظا على إستقلاليته ونظرته النقدية للجميع.
والله من وراء القصد، أو هكذا أزعم.

رسالة إلى المشير طنطاوى August 25th, 2011 10:45 am

صباح الخير يا سيادة المشير. هل صليت الفجر اليوم؟ تقبل الله يا فندم. بما أن ليلة أمس كانت ليلة الخامس والعشرين من رمضان هل فكرت أن تنظر إلى قرص الشمس ساعة ظهوره لكى تتحرى ليلة القدر؟ إذا كنت قد فعلت ذلك أو لم تفعله، فهل تعلم أن هناك آلاف الأمهات حرصن على أن يفعلنه بعد ليلة طويلة سهرنها فى الصلاة وقراءة القرآن والدعاء على الظالم والابتهال إلى الله ببركة هذه الليالى المفترجة أن يطلق سراح أبناءهن وينتقم ممن ظلمهن، وكلهن أمل فى أن تصل دعواتهن إلى الله دون حجاب، كما وعد بذلك كل مظلوم، وهل تعلم أن سيادتك هذه المرة ستكون هدفا لكل تلك الدعوات لأنك الذى تحكم مصر الآن؟
أعلم أن الله عز وجل هو العالم بالأحوال، وفى يده وحده أن يقرر من هو الظالم ومن هو المظلوم، ونعم بالله، لكننى أعلم أيضا أنك المسؤول عن أحوال البلاد الآن، وأن من واجبى أن أعلمك أن هناك شبابا يتعرضون إلى الظلم على أيدى رجالك، ربما لا تعلم ذلك لأنك لا تقرأ تقارير المنظمات الحقوقية، ربما لأنهم يقولون لك إنها مغرضة وممولة من الخارج، وربما كان بعضها كذلك، لكنى أعلم علم اليقين أن أغلبها أخذ على عاتقه منذ سنين طويلة أن ينحاز إلى نصرة المظلومين وفضح الظالمين، وواجبك كحاكم يقتضى أن تصغى إلى ما يقولونه وتحقق فيه، ربما أنت مهتم بما قد تراه أهم بكثير فى بلاد تعج بالأزمات والمشكلات، لكن هل تذكرت معى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وهو يخشى أن يسأله الله عن بغلة عثرت فى العراق لأنه لم يمهد لها الطريق، فى أقوى اعتراف لحاكم فى التاريخ بالمسؤولية السياسية عن كل ما يقع فى عهده، ألا تخشى أن يسألك الله عن مواطنين تعرضوا للتعذيب والإهانة وخضعوا للمحاكمات العسكرية بسبب آرائهم السياسية التى مهما كان شططها وجموحها لا تسقط عنهم حقهم فى أن يمثلوا أمام قاضى طبيعى مدنى؟ ومن قال إن كل من تم إخضاعهم للقضاء العسكرى كانوا بلطجية فعلا أو خارجين على القانون لمجرد أنهم ينتمون إلى بيئات شعبية فقيرة أو لأن وجوههم جار عليها سوء التغذية أو لأن حظهم العثر أوقعهم مع ضابط لا يخاف الله؟
أرجو من سيادتك أن تقرأ الشهادات المفزعة التى نشرها مركز «النديم» عن التعذيب الذى تعرض له مواطنون على أيدى الشرطة العسكرية وضباط السجن الحربى، توقفت عند شهادة أدلى بها شاب تم اعتقاله من أمام جامع عمر مكرم سب له الضباط الدين وشتموا أمه وضربه الجنود هو وزملاءه بالأحذية وقالوا له عشان تبطلوا تقولوا يسقط المشير، فرد عليهم: الجيش غير المجلس وهو يعنى لو المشير مات مصر هتموت، فرد العسكرى: المشير مابيموتش. هكذا رد العسكرى عفويا، بينما لو فكر قليلا لتذكر أنك حتما ستموت، ولو سألك لقلت له إنك ستموت، وكلنا سنموت وسنقف أمام الله الحق العادل ليسألنا عن أخطائنا وذنوبنا. أعلم أن الهتاف بسقوطك يغضبك، دعنى أقل لك إنه لا يسعدنى أنا شخصيا، ليس فقط تقديرا منى لشخصك ودورك فى الانحياز للثورة، بل لأننى أعتبره هتافا غير عملى، ويمكن أن يؤثر على وحدة المؤسسة العسكرية التى من مصلحة مصر وثورتها أن تظل قوية وموحدة أيا كانت أخطاء بعض قادتها، لكن دعنى أسأل سيادتك: هل تعتقد أن الشاب الذى يهتف ضدك أو ضد المجلس العسكرى يفعل ذلك لأن هناك شيئا شخصيا بينه وبينك أو بين قادة المجلس العسكرى؟ لماذا لم يهتف هذا الشاب وغيره بهذه الهتافات عقب خلع مبارك فى الحادى عشر من فبراير وحتى يوم تسعة مارس الذى بدأ فيه القيام بانتهاكات ضد حقوق الإنسان بحق شباب لم يفعل شيئا سوى أن عبر عن آرائه السياسية التى لا يهدف من ورائها إلا إلى جعل هذا الوطن أفضل؟ ما الذى حدث يا سيادة المشير؟ كيف تبدلت الثقة؟ من هو المسؤول عن ذلك؟ وأيا كانت المبررات والظروف هل يوجد ما يبرر قيام عساكر الشرطة العسكرية بضرب الشباب وإهانتهم، وهل يوجد ما يبرر قيام مخبر بسجن الحضرة بإجبار الشباب على أن يزحفوا فوق أرضية الحمام التى يملؤها البول بعد أن يكشفوا عوراتهم أمام بعض، هل قرأت سيادتك شهادة الناشط محمد منصور الذى حكمت المحكمة العسكرية بتبرئته من تهمة الاعتداء على المنطقة الشمالية العسكرية؟ إذا لم تكن قد قرأتها فأرجو أن تقرأها هى وعشرات الشهادات الموثقة لشباب وفتيات آخرين، وهى شهادات قمت بنفسى بتسليم بعضها إلى رئيس الوزراء وإلى قيادات عسكرية، ومع ذلك لم يحدث أى عقاب لمن قام بهذه الأفعال الشنيعة.
أنا واحد من الذين يرون أن التصعيد ضد المجلس العسكرى أمر يضر أكثر مما ينفع، لكننى أؤمن أيضا أن الساكت على الحق شيطان أخرس، وأن الله سيحاسبنى لو سكت على إهانة كرامة إنسان وأنا مجرد كاتب، فكيف سيكون الحال مع سيادتك وأنت المسؤول أمام الله عن كل ما يجرى فى مصر الآن؟ لا أدرى كيف كان موقفك من كل ما كان يحدث فى أيام مبارك من تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان، ولا أريد أن أدرى فأنت يمكن أن تحاجج أمام الله بأن تلك لم تكن مسؤوليتك، لكنك لن تستطيع أن تفعل ذلك الآن فأنت مسؤول عن كل مظلمة تحدث فى مصر سواء كنت تعلم بها أو لأنك قصرت فى العلم بها. أنصحك مخلصا والله حسبى وحسبك بألا تثق فى الأجهزة الأمنية التى ورثتها عن مبارك، فقد رأيت ماذا فعلوا بمصر وإلى أين أوصلوها، اسمع من مواطنيك حكاياتهم مباشرة، استقبلهم فى مكتبك ودعهم يحدثوك عما شاهدوه وعاشوه، لا تجعل بينك وبينهم وسطاء فهم لن يكونوا وسطاء بينك وبين الله يوم الحساب، يشهد الله أننى لا أريد من كلامى هذا بطولة فقد ولى زمن البطولات الفردية وأصبحنا نعيش فى عصر بطولة الشعوب، كل ما أتمناه لك أن تدخل التاريخ بوصفك القائد العسكرى الذى لم يكتف بتسليم السلطة إلى المدنيين بل حرص على كرامة المصريين وصان حقوقهم وحمى حرياتهم، وإذا لم تكن مهتما بكتب التاريخ التى لن تنسى أبدا كل ما يحدث الآن بخيره وشره، فاهتم بكتابك الذى يسجل حسناتك وسيئاتك قبل أن تقرأه أمام الله يوم لا ينفع مال ولا بنون.
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.

صديقك من صدقك لا من تمحلس لك، ولذلك اسمح لى أن أزعجك باندهاشى لأنك تعتبر أن إنزال العلم الإسرائيلى من على السفارة الإسرائيلية ورفع العلم المصرى بدلا منه يشكل انتصارا سياسيا أو حتى انتصارا رمزيا، كنت أظن أننا لم نعد فى حاجة بعد ثورة يناير إلى انتصارات رمزية بقدر مانحتاج لمواصلة انتصاراتنا الواقعية، فى رأيى إذا كان ذلك الفعل يرمز لشىء فهو يرمز لخيبتنا القوية وعدم إدراكنا لحقائق الأشياء من حولنا، ويكشف أن بعضنا أصبح للأسف أسيرا لانتصارات رمزية لا تقع إلا فى الميادين الغلط.
لكى تفهم فكرتى الرخمة بشكل أوضح، دعنى أنقلك مما حدث أمام السفارة الإسرائيلية إلى ماحدث أمام وداخل مقرات أمن الدولة، هل تتذكر كيف فرح آلاف الناشطين باقتحام مقرات أمن الدولة التى تم تمهيد طريقهم إليها بشكل محسوب، وكيف ابتهجوا بالعثور على وثائق تم تركها لهم اتضح أن بعضها مزور لكى يختلط الحق بالباطل وتظل الأسرار الحقيقية هناك فى الأرشيف الإلكترونى الذى لا تطاله الأيدى الغاضبة، واعتبر الناشطون أن ماحدث كان انتصارا تاريخيا لم يتحقق من قبل ثم وصلت فرحتهم إلى ذروتها عندما صدر قرار بحل جهاز أمن الدولة وإنشاء جهاز إسمه الأمن الوطنى، وهاجموا المتخاذلين من أمثالى الذين طالبوا بعدم حل جهاز أمن الدولة بل بالإبقاء عليه تحت رقابة قضائية كاملة، وتشكيل لجان للتحقيق فى ممارساته طيلة السنوات الماضية وفحص ثروات كبار ضباطه وعلاقاتهم، واعتبروا أن هذا الكلام يفسد فرحة تحطيم رمز الطغيان والاستبداد. طيب الآن وبعد مرور خمسة أشهر على سقوط الرمز، دعونا نسأل بعضنا البعض: أين هى الرقابة القضائية على جهاز الأمن الوطنى وكافة أجهزة الداخلية والتى كان يمكن أن نعرف من خلالها حقيقة ماحدث للناشط السكندرى محمود شعبان مثلا؟، من ينصف الآلاف الذين تعرضوا للتعذيب داخل مقرات الجهاز وضاع مستقبلهم بسببه؟، هل تم فحص ثروات الضباط المتورطين فى قضايا التعذيب والتلفيق وانتهاك حقوق الإنسان؟، من يضمن أنهم لا يمارسون التخريب فى المواقع التى تم نقلهم إليها؟، هل انشغل الناشطون بشىء من هذا كله أم أنهم اكتفوا بنشوة تحطيم الرمز الخادعة؟.
تعال نعود ثانية إلى ماحدث أمام السفارة وعلى سطحها حيث تم إنزال العلم المصرى على يدى شاب جدع إسمه أحمد الشحات، أكثر ما أعجبنى فى قصته أنه يعمل نقاشا ستة أيام فى الأسبوع وينزل إلى التحرير يوم أجازته، وهو بذلك يصلح رمزا لأكبر إنجاز أرى أن ثورة يناير قد حققته وهى أنها أدخلت ملايين السكان الأصليين لمصر إلى دائرة الفعل بدلا من الإكتفاء بالفرجة والعيش فى الواقع الموازى الذى تخندقوا داخله لآلاف السنين. شاهدت حوارا تلفزيونيا لأحمد فاستجدعته وعشقت نقاءه ودعوت له أن يكفيه الله شر المتسلقين الذين لو جرى وراء جعجعتهم سينسوه الصنعة التى فى يده وسيشحت فعلا لا سمح الله. استجدعت أحمد لكننى لا أظنه الرمز الذى تحتاجه مصر فيما يتعلق بصراعها مع إسرائيل، لم أفرح كثيرا بما فعله ربما لأننى هرمت، وربما لأننى منذ ثورة يناير لم أعد أتعاطى المخدرات السياسية وعرفت أن الطريق إلى هزيمة إسرائيل بدأ بتحرير قصر العروبة وسيكتمل بإيصال الرجل المناسب إلى داخله، وربما لأننى لم أستطع أن أنسى أنه فى اللحظة التى كان يتسلق فيها السفارة كان هناك شاب إسرائيلى يجلس فى مفاعل ديمونة لكى يزيد من طاقة بلاده النووية، وشابة تجلس فى معمل تدعمه الدولة بالملايين لتكتشف علاجا لمرض عضال ستكسب إسرائيل منه المليارات، وشاب إسرائيلى يتظاهر مرتاح البال لأنه يعلم أن أحدا لن يحيله إلى محاكمة عسكرية أو يهتف به بالعبرية أن ينزل على ركبه، وأنه حتى لو تهور أحد واعتدى على حريته سيأخذ حقه منه بالقانون وسيكون ذلك سببا فى إسقاط الحكومة فى الإنتخابات التى لن يجرؤ أحد على تزويرها، وأنه لن يحتاج إسرائيلى حويط إلى أن يتسلق مبنى السفارة المصرية لإنزال العلم المصرى لأنه يعلم أن قوة أى دولة لا تكمن أبدا فى قطعة القماش التى ترفرف فوق أى سفارة.
أعلم أن أغلب الذين تجمهروا أمام السفارة ليسوا مغيبين ويعرفون أن ماحدث ليس نهاية لصراعنا مع إسرائيل، وأغلبهم بالمناسبة هم الذين يتظاهرون بكل شجاعة ضد المحاكمات العسكرية للمدنيين ويهتفون بسقوط حكم العسكر، لكننى حزين لأنهم يوما بعد يوم لا يدركون أنهم لازالوا يبحثون عن الانتصارات الرمزية ويبتعدون عن الطريق الصحيح لإسقاط حكم العسكر، يحزننى أنهم يتركون الساحة لتيارات تعرف كيف تتحرك وسط الناس وكيف تخاطب همومهم وآلامهم، يحزننى أنهم يعتقدون أن المواطن المصرى يمكن أن يتعاطف حقا مع شعارات تدعو للحرب مع إسرائيل بينما هو يحتاج إلى الانتصار أولا على أعداء الداخل من المستبدين والفاسدين والمستغلين، يحزننى أنهم لا يدركون أنهم يتم استخدامهم سياسيا كثيرا هذه الأيام، يحزننى أنهم لا يسألون لماذا تم السماح لهم بفعل كل مافعلوه هذه المرة بالذات، تماما كما لم يسألوا لماذا تم السماح لهم بالوصول إلى العباسية بينما كان من الممكن أن يتم منعهم فى ميدان عبد المنعم رياض مثلا، تحزننى هذه الطاقة الثورية التى تتبدد كل يوم فى الرفض المجانى والمهاترات العبثية بدلا من أن يتم توظيفها فى عمل سياسى أو حزبى يصنع قيادات متواصلة مع الشارع، لكى لا يظل الناشطون كتلة صماء يتم استنزافها فى معارك غير محسوبة لتدرك بعد فوات الأوان أنها صارت منبوذة من غالبية الشعب الذى ثارت لأجله، فلا يوجد فى الدنيا من يتحمل شخصا كل موهبته الرفض أيا كان نقاؤه.
أنا من جيل كانت أقصى أحلامه أن يصل إلى ماوصل إليه الذين تجمهروا أمام السفارة، لو كنت قلت لأحد منا ونحن نتظاهر طيلة التسعينات أن شابا مصريا يمكن أن ينزل العلم الإسرائيلى من على السفارة لاعتبرنا ذلك محض هلوسة، كان أقصى أحلامنا يوم مظاهرة محمد الدرة أن نصل إلى العتبة ثم نموت هناك، والآن وقد تحققت تلك الأحلام ونحن أحياء أصبحنا ندرك أن وصولنا إلى سطح السفارة ولا حتى إلى داخلها لن يقدمنا خطوة إلى الأمام، وأننا سنكسب معركتنا الحضارية مع إسرائيل إذا كنا أطول نفسا وأكثر هدوءا وأرجح عقلا وأشد تماسكا وأقل تركيزا على المظاهر والرموز، فهل تدرك الأجيال التى تلتنا ذلك وتكسب وقتا أضعناه نحن والأجيال التى سبقتنا؟.
إذا اعتبرت كل هذه السطور رخامة صديق تستحق التفكير، فكثر ألف خيرك، أما إذا اعتبرت أنها ستكون سببا للقاطوعة الفاصولة بينى وبينك فدعنى أقل لك إنها كانت مجرد مسودة.

عقلية(حصل خير)! August 22nd, 2011 10:23 am

طيب، أنت إذن لا تعتقد أن لدينا مشكلة طائفية، هذا من حقك، لكن إعتقادك هذا للأسف فى رأيى هو أكبر مشاكلنا فى الملف الطائفي: مشكلة عقلية الإنكار.
لن أتحدث عن عموميات، أرجوك أدخل إلى موقع (التحرير) على الإنترنت وإقرأ التعليقات التى كتبها القراء على مقال الجمعة الماضية (حدث فى نهار رمضان) والذى حكى عن واقعة إعتداء تعرض لها مواطنان مصريان مسيحيا الديانة على أحد شواطئ الإسكندرية، نشرت المشكلة دون تعليق لظروف المساحة، لكننى رجوت القراء مرتين أن يتأملوا الواقعة جيدا قبل أن يحكموا عليها، لم أكن أرجم بالغيب عندما طلبت ذلك، كُتر الحزن يعلم البكاء، تعودت دائما أن يسارع الكثيرون لإنكار أو التشكيك فى أى واقعة طائفية يقوم بها شخص ينتمى إلى دينهم مطالبين بالإثباتات والأدلة، لكنهم فى الغالب يصدقون ويتفاعلون مع أى واقعة طائفية يتعرض لها شخص ينتمى إلى دينهم دون إنتظار الإثباتات والأدلة، بالمناسبة لم يكن هدفى من نشر الواقعة الحديث عن البعد الطائفى لها، لأن كل من يقرأ الواقعة بعقل هادئ يدرك أنها كان يمكن أن تحدث لأى شخص مسلم مهذب مسالم لا يمتلك عزوة وليس له فى الفتونة وفرد الذراع، بل كنت أقصد من النشر أن نرى أنفسنا فى المرآة وندرك هل حقا يغير صيام رمضان شيئا فى سلوكياتنا ونفسياتنا وإحترامنا لآدمية بعضنا البعض، وأن ندرك أن واقعة مثل هذه لا نأخذها بجدية يمكن أن تتسبب فى هزيمة إنسان ربما كانت بلاده أحوج ماتكون إلى علمه وتفاعله معها.
سعدت لأن تعليقات كثيرة تفاعلت مع لب الموضوع، لكننى لم أستغرب قراءتى لتعليقات كثيرة من قراء مسلمين لم تضيع وقتها فى أى تأمل أو تفكير، بل وجدت أن «الأريَح» هو تكذيب القصة من أساسها، أستغرب لماذا يضيع الإنسان وقته فى قراءة كاتب لا يثق فيه، أنا شخصيا لا أفعل ذلك، لكننى أيضا لا آخذ أى تشكيك فيما أكتبه كمسألة شخصية، لأننى أعلم أن ذلك طبيعى بل ربما كان إيجابيا أن يكون لدينا قراء لا يصدقون كل مايقرأونه بسهولة، وإن كنت أتمنى أن يكون وراء ذلك رغبة فى التثبت وليس مجرد إنحياز مسبق يلجأ إلى إتباع عقلية الإنكار. بالطبع لا أشكو من نقص فى عدد من يثق فى ما أكتبه بحمد الله، لكن من حق من يشك أن أطمئنه أننى أتبع فيما أنشره المعايير المهنية التى تعلمتها أثناء دراستى للصحافة، وأعتقد أن عدد القضايا التى تم إثارتها من خلال ما أكتبه واتضح صحتها كان كبيرا إلى حد كان يزعجنى أحيانا، فكم يتمنى الكاتب أن يكون مخطئا عندما ينشر أمرا غير سار، بالطبع أخطئ أحيانا لكننى أعالج ذلك بنشر أى تعليقات أو ردود تردنى، وأدرك أننى فى البدء والمنتهى كاتب حدوده المساحة التى يكتبها، ودوره أن يثير القضايا ويترك للآخرين التفاعل معها سلبا أو إيجابا.
سعدت برسالة جاءتنى من الناشط الحقوقى حسام بهجت يعرض فيه أن تتبنى (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية) قضية الشابين، كما تلقيت عدة رسائل بها نصائح قانونية يجب أن يقوم بها بطلا الواقعة للحصول على حقهما، وأرجو أن يقوما بالإتصال بى عبر الإيميل لإيصالها إليهما. أشكر القارئة إيفرونيا عازر التى كفتنى عناء نشر تفاصيل أكثر حيث نشرت ضمن تعليقها على مقالى رابطا للقصة بأسماء أبطالها كما نُشرت فى الفيس بوك مرفقة بصور الإصابات ثم قالت بأسى شديد «ثقافة لوم الضحية والتشكيك عمرها ماهتنتهى من عندكم.. التعليقات سيئة فوق الوصف والشخص اللى حصلت له الواقعة صديق ليا أساسا»، قبلها كتب القارئ أحمد فتحى قائلا «سعيد جدا أن الحادثة وصلت للإعلام، الشاب اللى اتعرض للحادثة صديقى ولما عرفت بالحادثة كنت حاسس بالعجز إنى مش عارف أعمل حاجة، مش مقبول إن شخصية محترمة زيه تتعرض للإهانة دى من شوية بلطجية وباقول للى داخلين يهاجموا الشاب إن العدل إسم من أسماء الله الحسنى، إن الله يقيم دولة العدل وإن كانت كافرة، ولا يقيم دولة الظلم وإن كانت مسلمة».
كتب القارئ كيريليس جورج تعليقا رائعا يقول «أى حل لأى مشكلة يبدأ لما نعترف بالمشكلة أصلا، أنا ملاحظ أن معظم الناس أصلا مش معترفة إن فيه مشكلة». أما القارئة إيمان عماد فقد خرجت من الواقعة بملاحظة أن الناس بعد الثورة بدأت تصبح إيجابية ولا تسكت على ضياع حقها، أسعدنى أن يصل هذا إليها وأتمنى أن يكون حقيقيا لدرجة تجعلنا نرى بدرجة أقل النبرة الإنهزامية التى وردت فى خطاب كاتب الواقعة وتعبيره عن رغبته فى ترك بلاده وهو أمر أتمنى أن لا يعبر عنه كل من تعرض للظلم أيا كانت ديانته، فهذه بلادنا جميعا وعلينا أن نناضل بالقانون من أجل أن نعيش فيها أحرارا كراما دون تمييز ولا ظلم. سعدت بتعليقات كثيرة أكدت أن المشكلة الحقيقية تكمن فى غياب القانون والأمن وهو مايكتوى بناره المسلمون والمسيحيون معا، سعدت بتعليقات رائعة من مسلمين يفهمون جوهر الإسلام ويطبقونه ويتضامنون بكل قوة مع بطلى الواقعة، وأخيرا توقفت عند تعليق كتبه شخص وصف نفسه بأنه زميل لصاحب الواقعة فى كلية طب اسكندرية ثم سألنى سؤالا غريبا هو «كام مسلم مات فى أحداث النرويج اللى فاتت»، وأعتقد أن سؤاله يلخص المشكلة الحقيقية التى نعانيها، هذا رجل كما فهمت سيصبح أستاذا جامعيا، ومع ذلك فهو عندما يقرأ عن واقعة إعتداء تعرض لها زميل له لا يبادر إلى استنكارها، بل يفكر أولا فى مسلمى النرويج، أعتقد أن القارئ عمرو مجدى كان موفقا فى رده عليه، ومع ذلك فعلى حد علمى لم يُقتل مسلمون فى مجزرة النرويج التى وقعت على يد متطرف نازى ارتكب جريمته البشعة لأنه اعتبر أن الحزب الحاكم متسامح أكثر من اللازم مع المسلمين الذين يهددون أوروبا. بالمناسبة كنت فى بريطانيا وقت وقوع الحادثة ودعنى أقل لك أننى قرأت وشاهدت مناقشات محترمة تعرب عن قلقها من صعود العنصرية فى بريطانيا وأوروبا وتواجه نفسها بحقائق مفزعة تسعى لتفسيرها إجتماعيا وثقافيا، وتقدم نقدا ذاتيا لإستسهال الإعلام للجوء إلى إتهام المتطرفين المسلمين فور وقوع الحادثة، لا أدعى أن كل من قرأت لهم أو شاهدتهم كانوا عقلاء أو محترمين، لكن أدعى أنهم كانوا كثيرين بصورة تدعو للتفاؤل، ويبقى السؤال ماهى نسبة الذين يراجعون ذاتهم لدينا ويستعدون لمواجهة الحقيقة بعيدا عن عقلية الإنكار. هذا هو السؤال الأهم.

إنهم يكتبوننى August 20th, 2011 9:39 am

■ (.. وإننى لأقرأ عبر أسطورة هذا الصغير الضعيف الناجى من النار بيد القدرة، واقعا غريبا لطائفة من البشر مولعة بالرقص فى النار بالمعنى المجازى لأحوالهم النفسية. بشر تفتقد نفوسهم الطمأنينة برغم ما يبدونه من مظاهر الاستقرار والتوازن ورسوخ اليقين، وهم عِوضا عن التماس موارد الطمأنينة ليرتووا منها فتطمئن نفوسهم، يسعون بوعى أو بلا وعى إلى بث عدم الطمأنينة فيما حولهم. وهم فى تسعيرهم لنيران القلق هذه، لا يتورعون عن التلويح برايات تشنجاتهم مستخدمين فى ذلك كل مزاعم احتكار الصواب، سواء كانت دينية متعصبة أو دنيوية متخشبة… لديهم ولع حقيقى بالرقص فى النيران، نيران المعاظلة والعنف فى القول أو الفعل، وتسعير الخلاف حيثما حَلّوا، لأنهم لا يطيقون اختلافا معهم أو عنهم، فهم طاقة استبداد وتسلط فى نهاية الأمر. ومن العجيب أنهم يخرجون كما سمندل النار من الشقوق، شقوق عتامة تطرفاتهم الفكرية وتأويلاتهم الجانحة، سواء كأيديولوجيا سياسية أو إدعاء دينى، وبرغم التباين الشاسع بين مظاهرهم ومخابرهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إلا أنهم ينطوون تحت التركيبة النفسية ذاتها، تركيبة المتعصب، المتيبس، الجامد، الذى لا يُشِعّ طمأنينة ولا يعكسها لأنه لا يمتلكها ولا يسعى لامتلاكها. وهؤلاء هم وقود فتنة التاريخ، وفتنة لحظتنا الحاضرة).
مقتطف من أحدث مقالات كاتبى المفضل المدهش
د. محمد المخزنجى
■ (.. انشغلنا بلون «الترننج» عن شكل الدولة واختفى الإعلان الدستورى لنتابع الإعلان عن مكاتب المحامين واختلفنا حول حكمه وحكمته ومحاكمته وأصبح همنا هو تعبئة القفص كما يفعل بائعو الطماطم وليس تعبئة الناس لبناء الدولة كما يفعل صانعو الثورات.. مبارك فى «القفص» أصبح أكثر ضررا من مبارك فى «القصر»، فالعدالة القضائية ليست بديلا عن العدالة الاجتماعية… أصبحنا أمة تسير للأمام وتلوى رقبتها للخلف)
مقتطف من مقال للكاتب العبقرى جلال عامر
■ (.. الحقيقة أن اختزال الجيش فى دوره السياسى الحالى أو فى إدارته السياسية المليئة بالأخطاء، ليس هو رؤية أغلب الناس فى مصر، فالإحساس الفطرى لأغلب المصريين بأن البلد لا يوجد به شرطة ويعانى فوضى وبلطجة من مخلفات العهد السابق، وإنه بحاجة إلى جهة تؤمن الحد الأدنى من سير الحياة اليومية فى مصر من فض المشاجرات حتى تأمين نقل المواد الغذائية والأوراق النقدية وتفاصيل يومية أخرى كثيرة، وهى كلها مهام لا علاقة لها بمهام الجيش، بالتالى كانت نظرة كثير من الناس أكثر شمولية وعمقا من بعض الثوار الذين اعتبروا أن صوت الاحتجاج أعلى من هموم المواطن. ولعل التناقض الصارخ أن البعض يصرخ كل يوم مشككا فى نوايا الجيش ويطالبه بالعودة إلى ثكناته، وفى الوقت نفسه يطالب شبابه بالقيام بأدوار ثورية والاحتفاء ببعض حالات «الاحتجاج الفردى»، وكأننا نطالبهم بالعودة لعصر الانقلابات التى ستعطى الشرعية لبقاء الجيش فى السلطة وستعيده إلى تقاليد ما قبل هزيمة 67 حين طغت السياسة على قواعده المهنية. يبدو أن البعض لا يعى معنى أن يقود شباب «مصر الجديدة» دولة جيشها مهنى ومنضبط، وأن ما فعله مبارك شرا بإبعاد الجيش عن السياسة حتى يتسنى له إنجاح مشروع التوريث تحول إلى ميزة حين امتلكت مصر لأول مرة منذ عقود جيشا مهنيا لا يتدخل فى السياسة (وربما لا يعرف قواعدها).. وتلك ميزة عظيمة ليت الشباب يعى قيمتها ونحن نرى كيف تتصرف الجيوش الأخرى حولنا.
إن كل الانتقادات السياسية المشروعة التى وجهت إلى المجلس العسكرى يجب ألا تنسى أن الجيش المصرى أثبت من الناحية المهنية انضباطا لافتا لم يعرفه كثير من جيوش المنطقة، فقد انحاز إلى ثورة الشعب كمؤسسة وليس كفريق ثورى واجه فريقا آخر مؤيدا لمبارك، وتلك عملية من الناحية الاستراتيجية ليست سهلة وفيها مخاطر كثيرة، كان يمكن فى أى لحظة أن تؤدى إلى انقسامه ولكنه عبر هذا الاختبار بمهنية واقتدار، الأمر نفسه ينطبق على موقفه من رفض إطلاق النار على المتظاهرين (عكس ما فعله «الجيش العقائدى» السورى)، الذى كان سيعنى فى حال لا قدر الله فشلت الثورة أن يُنَكّل بهؤلاء القادة أشد التنكيل. نعم، أفضل أن يكون جيش بلدى مهنيا ومنضبطا عن أن يكون سياسيا ومنفلتا، وهذا هو الفارق بين الدول الديمقراطية المتقدمة التى احترمت نفسها وشعوبها، وبين تلك المتخلفة التى بنت الجيوش العائلية والثورية حتى أوصلت بعضها إلى ما يشبه العصابات المسلحة).
مقتطفات من مقال مهم للكاتب الكبير د. عمرو الشوبكى بعنوان (الجيش والسياسة)
■ (.. أنا منحاز أكثر إلى الروح المدنية التى تعتقد أن ضمانها ضد أى محاولة لعسكرة الدولة هو نضالها المستمر، بالرغم من التحريض ومن غفلة أو تخاذل أو استسلام الكثيرين، ولا تخشى من المغامرة الديمقراطية التى قد تأتى بإسلاميين إلى السلطة، لن ينفع ساعتها مع رغبتهم فى التسلط أى وثائق. ولا أرى أى بهجة فى أن يكبح العسكر طموحات بعض الإسلاميين فى «دولتهم الإسلامية»، ولا أخشى من التحديق فى عين الديمقراطية التى قد تأتى بتسلط شعبوى من الأغلبية على حساب حقوق وحريات الأقليات والمعارضة، التى تضمن تواصل الديمقراطية نفسها، لأنه فى هذه الحالة سيتواصل نضال الديمقراطيين حقا، داخل الديمقراطية أو خارجها لتصحيحها بقوة ثورية جديدة تستمد من المغامرة قوتها لا من الضمانات.
… فى مغامرة الثورة المدهشة كانت مشاركة الناس غير المتوقعة والمنتظرة هى التى صنعت الفارق وهى التى كسرت حلقات الواقع والمتوقع وأطلقت العنان لكل ما هو جديد، لماذا لا نراهن مرة أخرى على مشاركة الناس؟. ولماذا نخشى أن نخسر رهانا كما خسرنا رهانات كثيرة لسنوات قبل الثورة ولم ينته أمرنا، بل كانت مغامراتنا دائما ملهمة لآخرين يودون المغامرة فقرروا المشاركة وانفجر طوفان المشاركة ليصنع ثورة. لماذا لا نراهن أن طوفان المشاركة سيصنع ديمقراطية مختلفة ستفاجئ الجميع، ليبراليين ويساريين وإسلاميين؟).
مقتطفات من مقال مهم للكاتب المتميز عمرو عزت بعنوان
(المدنية التى لن يحميها الجيش ولا الوثائق الحاكمة)

ليست هناك تعليقات:

قران كريم