الاثنين، 2 أكتوبر 2017

السيناريو الربانى منقولة

السيناريو الرباني

بعد ظهور الإسلام.. كان النبى يجلس مع أصحابه فدخلت عليه امرأة، فابتسم قائلا: أمى أمى.
اندهش الصحابة وهم يراقبونها تقترب منه، وبينما هى تقترب منه كانت تسترجع علاقتها بهذه الابتسامة، فى الوقت نفسه كان النبى يفرد لها طرف ردائه حتى تجلس عليه.

(2) لم يكن هناك أى منطق يبرر أن تحظى هى تحديدا بشرف إرضاع النبى فى ديارها.

كانت حليمة قد أنجبت للتوّ ولدا سمته عبد الله.. كلما حاولت أن ترضعه وجدت ثدييها يابسين كالحطب.

كلما حاولت أن تحلب له ناقة وحيدة تمتلكها لا تجد فى ضرعها نقطة لبن واحدة.

فى الوقت نفسه كانت المجاعة تحيط بقومها.. وكان الجفاف والجدب أهم ما يميز واحتها على خريطة المنطقة فى هذا الوقت.. فلا مطر ولا ثمر.
فى ظروف مثل هذه وفى وجود طفل من لحمها ودمها يكاد يموت جوعا.. ما المنطق الذى يدفع هذه السيدة لتخرج إلى مكة تلتمس طفلا تكسب قوتها من إرضاعه؟

طيب إذا تجاوزنا كل هذه الظروف.. ما المنطق الذى يجعلها، وهى تبحث عن الرزق، تأخذ رضيعا يتيم الأب بما يعنيه ذلك من احتمالات أن يكون المقابل ضعيفا للغاية لغياب عائل هذه الأسرة؟
طيب إذا تجاوزنا كل ذلك.. ما المنطق الذى يجعل غيرة النساء حاضرة ومحركة للأحداث بقوة بين كل ما سبق ذكره من قحط وفقر وأسى؟
(3) بعد ميلاد النبى اختلطت الأحزان على أمه السيدة آمنة بين ترمُّلها فى سن مبكرة، وبين هذا الطفل الذى يستقبل الحياة يتيما، جففتها الأحزان فلم تقوَ على إرضاعه.
تولت إحدى جوارى العائلة إرضاعه لمدة ثلاثة أيام إلى أن شاع خبر وصول عشر نساء من بنى هوازن يطلبن الرضعاء ومن بينهن «حليمة السعدية».
معظم المرضعات رفضن مبدأ إرضاع النبى، لأنه يتيم وبحثن عمن فى خلفيته أب ثرى، وبعد أن حملت كل واحدة طفلا يرتجى من أهله الخير، بقيت حليمة خالية الوفاض بعد أن رفضها الجميع لضعف حالها البادى عليها بوضوح.
هَمّ الجميع بالعودة إلى ديارهم، بينما حليمة السعدية تقف فى الجوار محبطة وإلى جوارها زوجها.
قالت له: والله إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبى ولم آخذ رضيعا.
كانت كرامة حليمة السعدية على المحك.
تخيلت نفسها فى طريق العودة وكل واحدة من صاحباتها تحمل طفلا وربما اثنين، بينما هى الوحيدة من بينهن التى مثلما ذهبت مثلما رجعت بما قد ينطوى عليه الأمر من سخرية محتمَلة، أو على الأقل نظرة استعلاء قد تجرح كبرياءها.
انهارت حصون حليمة الدفاعية وتنازلت عن جميع شروطها، وقررت أن تقبل أى طفل يعرضه عليها أهل مكة.
فى هذه اللحظة ظهر عبد المطلب جد الرسول.
(4) تغير حال حليمة فى طريق العودة بعد أن حملت النبى فوق كتفها.
تدفق اللبن فى صدرها فأرضعت النبى وابنها، وقام زوجها يحلب الناقة ففاض خيرها، أما الأتان (أنثى الحمار) التى كانت تحملها فى طريق الذهاب إلى مكة، وكانت محط سخرية الرَّكب كله لضعفها، ثم تحولت إلى محط امتعاضهم، لأنها كانت تعطل المسيرة، هذه الأتان كانت تسبق الرَّكب كله فى طريق العودة.
قال لها زوجها: حليمة.. انتبهى، لقد أخذتِ نسمة مبارَكة.
كان عبد المطلب جد الرسول، قد قال لها عندما التقيا أول مرة: نساء بنى سعد أبين أن يقبلنه، لأنه يتيم، فهل لك أن ترضعيه عسى أن تسعدى به؟
وافقت.
اصطحبها عبد المطلب إلى بيت آمنة..
كان النبى نائما ملفوفا فى ثوب أبيض، دنت منه حليمة تتأمله، وطالت نظرتها إليه وهو نائم، وبينما تقترب منه لتحمله فتح النبى عينيه فجأة فشعرت برهبة، فابتسم لها.. فسكنتْها المحبة إلى الأبد بفعل ابتسامته.
(5) بعد عامين من الخير حان وقت الفطام، كان طريق العودة إلى مكة ثقيلا على قلب حليمة، كانت طول الطريق تفكر فى حجج مقنعة تبقيه معها، وفى مكة كان هناك وباء ما منتشر، فكانت مهمة حليمة فى غاية السهولة، وكان أن رجعت به إلى ديارها.
توقف النبى عن الرضاعة وكبر سريعا وتفرغ للرعى، كان بنو سعد يضربون كفا بكف، وهم يتأملون مسيرة النبى فى رعى الأغنام، كانت أغنامهم تروح وترجع ولا تبدو عليها آثار النعم، وحدها أغنام النبى كانت تسمن وتفيض باللحم واللبن، فأصبح شعارهم «ارعوا حيث يرعى محمد».
أحبه كل من حوله وآمنوا بأن الخير موصول به، لذلك كان تمسك حليمة ببقائه بينهم لا حدود له، وفى كل مرة كانت تذهب به إلى السيدة آمنة وتعود به بحجة مختلفة عما سبقتها، وهكذا إلى أن أصبح عُمر النبى ست سنوات.. وقتها كان لا بد للقصة من نهاية.
(6) كانت حليمة تقف فى سوق عكاظ ومعها محمد، وعرضته على أحد المنجمين الذين يقرؤون الطالع فصاح المنجم (يا معشر العرب.. اقتلوا هذا الصبى.. واللات والعزى ليظهرن أمره عليكم)، وبينما العرب يبحثون عن الطفل كانت حليمة تحمله وتجرى مبتعدة عن السوق، وقد دبت فيها همة لم تعهدها.
شعرت حليمة بالخوف، وفكرت أنه ربما حان الوقت لأن تعيده إلى أهله فهم أقدر على حمايته، وتأكدت ظنونها عندما كانت فى الطريق إلى مكة والتفتت فلم تجد النبى، فأسرعت منهارة إلى عبد المطلب وقبل أن يهم بالبحث عنه وجد رجلا يدخل عليه وفى يده محمد بعد أن ضل الطريق.
نظر عبد المطلب إلى حليمة نظرة عتاب، فوضعت عينيها فى الأرض وقالت: لقد قضيت الذى علىّ.. لقد انتهت مهمتى.

(7) أن تضرب ببصرك بعيدا فلا يحدّه بيت أو زحام فتتمرن الروح على أن تبلغ أقصى اتساع ممكن لها، أن يسأل قلبك وتنتظر الإجابة فتأتيك صافية لا يشوش عليها شىء. أن تتخلى عن ملعقة ذهب مضمونة فى بيوت الأعمام والأقارب فى الحضر وتستسلم لتقشف البادية منذ لحظات إدراكك الأولى فيشب الجسد وطعامه الشدائد ويشب الوجدان وطعامه الرقة.

شرب النبى اللغة من رجال بنى سعد الذين أذابت شمس الصحراء كل شحوم لغتهم العربية فصاروا رسل الفصاحة، يقول النبى: أنا أَعْرَبُكم.. أنا قرشى واستُرضعت فى بنى سعد بن بكر.

اختفى النبى من بين أقرانه وهو طفل كثيرا، فى المرة الأولى كانت لهفة حليمة عليه قاتلة، ثم صارت القصة معروفة، كلما اختفى النبى كانت حليمة تقول إنه جالس على قمة الجبل.

كانت قمة الجبل مكانه المفضل كطفل يتعلم أبجديات النبوة.
كانت إقامته فى الصحراء مع حليمة السعدية وأهلها بمثابة إقامة فى حضّانة، ساعدته على أن ينمو روحيا بشكل مختلف. كان سيناريو النبوة يقتضى أن يشب النبى بعيدا عن الحضر، بكل ما فيه من تشويش.. أن يشب فى رحاب حليمة فى هذا المدى المفتوح حيث لا شىء.. و كل شىء.

هكذا يصبح للحكاية منطق.

ليست هناك تعليقات:

قران كريم