الاثنين، 18 أبريل 2022

قصة زوجة نبي الله أيوب عليه السلام

🟣 *الحلقة (6)*
*زوجة نبي الله أيوب عليه السلام*

لحسبها ونسبها اختارها، ولجمالها ومالها وعلمها أحبها، أهَّلها الله لأن تكون الزوجة التقية النقية القادرة على تحمل الابتلاء في الزوج والمال والولد.


فما شكت وما جزعت وما لطمت خدًا، وما شقت جيبًا وما قطعت العبادة، إنها الصابرة العفيفة الخدومة «منشا» أو «ليا» بنت يوسف بن يعقوب على المشهور.


 ولد نبي الله أيوب عليه السلام  في أرض الروم لأبيه «موص»، وكان موص هو حفيد العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، اصطفى الله أيوب فاتخذه نبيًا من لدنه سبحانه ليهدى قومه إلى الحق وعبادة الله. 

وهب الله أيوب الكثير من المال وأسبغ عليه نعمه، فتملك الأراضي المتسعة والأنعام والمواشي والعبيد، إلى الحد الذي تردد فيه أن أيوب عليه السلام كان يمتلك أرض حوران كلها، ورزقه الله فوق ذلك كله بالأولاد حتى كثر أهله وذريته.


تزوج سيدنا أيوب عليه السلام من «منشا» بنت يوسف بن يعقوب - عليهما السلام - على المشهور وقيل «ليا» بنت يعقوب عليه السلام لخلقها ودينها وجمالها. وكان سيدنا أيوب عليه السلام يعيش مع زوجته في خير حال إلى أن جاءه الامتحان الإلهي، وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، ووقف عليه السلام تجاه هذا الابتلاء بالصبر العظيم، والرضا الكبير وعدم الجزع والهلع والغضب والسخط.



سلب الله سبحانه وتعالى  منه كل النعم التي أنعم عليه بها. راح المال ومات الأهل، فلم تبق معه سوى زوجته «ليا»، وابتلى أيوب في جسده بأنواع من البلاء، منها ما لم يعرفه الناس من قبل . 

لم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر بهما الله عز وجل، لكنه كان دائما الصابر المحتسب، ذاكر الله عز وجل في ليله ونهاره، وصباحه ومسائه.
وطال مرض أيوب، حتى عافه الجليس وأوحش منه الأنيس فأخرجه القوم من بلدتهم وألقوه على مزبلة خارجها، وانقطع الناس عنه.

 لم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته «ليا» التي كانت تفرش الرماد تحت زوجها لتضعه فوقه بعد أن تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب. 

كانت «ليا» ترعى له حقه، لأنها تعرف قديم إحسانه إليها وشفقته عليها، فكانت تتردد عليه فتصلح من شأنه وتعينه على قضاء حاجته وتقدم له الطعام والشراب.
ومع استمرار البلاء الذي حل بأيوب، ضعُف حال «ليا» وقلَّ مالها حتى كانت تخدم الناس بالأجر لتطعم زوجها وتقيم أولاده، رضي الله عنها وأرضاها، فهي صابرة لا تتبرم مما حل بها من ضياع المال وفراق العيال، ومصيبة زوجها، وضيق ذات اليد، وهوان حالها وهى تخدم الناس بعد أن كانت تعيش في اليسر والسعة، وترفل في النعيم الذي وهبه لها الله. 

سألت «ليا» نبي الله أيوب: يا أيوب. لو دعوت ربك لفرج عنك. فقال لها الصابر المحتسب: 
*لقد عشت سبعين سنة صحيحًا، فهل قليل على الله أن أصبر له سبعين سنة أخرى؟*

 لم يشكو أيوب بلوته، ولم تيأس زوجته «ليا» من رحمة الله، كف الناس عن استخدام «ليا» في بيوتهم خوفًا من أن ينالهم من بلائه شيء، أو تعديهم زوجته التي تخالط أيوب السقيم العليل.

 لم تجد زوجته مالاً تشترى به طعامًا لأيوب، فقطعت إحدى ضفيرتيها، وباعتها لإحدى بنات الأشراف وابتاعت بثمنها طعامًا طيبًا قدمته لأيوب فسألها: من أين لك هذا؟
فقالت له إنها خدمت به أناسًا، فلما كان اليوم التالي، لم تجد أحدًا يستخدمها فباعت ضفيرتها الثانية واشترت بثمنها طعامًا، فأتت به أيوب، فأقسم ألا يأكله حتى تخبره من أين لها بهذا الطعام وكشفت «ليا» عن رأسها فلما رأى أيوب رأسها محلوقًا، فأقسم ليضربها مائة سوط لكذبها عليه، قيل هذا، وقيل أيضًا لأن الشيطان الرجيم تمثل لها في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب فأخبرت زوجها، فعرف نبي الله أنه الشيطان.


روى أبو يعلى في مسنده من حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: 
"إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلان من إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثمان عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلما راحا إلى أيوب، لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقولان، غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق..."

واشتد كرب أيوب عندما سمع أن ما به من بلاء هو ما يظنه الناس عقابًا من الله،

 فأخذته «ليا» إلى الخلاء ليقضى حاجته فأبطأت عليه، وأحس نبي الله بالضر بعدما باعت زوجته شعرها، وسمع قول صديقيه، فشعر بالخوف فدعا ربه يستجير به بأن الضر قد أحاط به، يستنجد برحمة خالقه عز وجل، أوحى الله لعبده الصابر أن يضرب الأرض برجله فنبعت عين ماء بارد بإذن الله، فأمره الله بأن يغتسل منها ويشرب، وأنزل الله عليه لباسا من حرير بعد أن رد الله على نبيه صحته وعافيته، ثم أمطر عليه جرادًا من ذهب، ظل أيوب يجمع منه وهو يلهج بالثناء والشكر لربه الكريم العاطي».

قال الله تعالى: *(وأيوب إذ نادى ربه أنى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين).*

ثم جاءت «ليا» تبحث عنه لتأخذه إلى مكانه، فوجدت نبي الله في أحسن صورة وأبهى طلعة، فلم يساورها شك في أنه ليس بزوجها العليل، فسألته؟ 
يا عبد الله هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟
 ثم تفرست وجهه تقول: 
والله القدير على ذلك ما رأيت رجلاً أشبه به منك إذا كان صحيحًا، فقال لها أيوب عليه السلام: 
فإني أنا هو يا «ليا».
رد الله على أيوب عافيته وصحته وماله وأهله وأمره سبحانه بأن يوفي قسمه بأن يضرب زوجته مائة سوط. وأوحى إليه الله بأن يجمع في يده مائة شمروخ من النخل ويضرب بها زوجته ضربة واحدة فيكون ذلك بمثابة مائة سوط، فيبر نبي الله بقسمه ولا يحنث، ويرحم الله امرأته الصابرة الأمينة ليخفف عنها ألم الجلد. وأنجبت «ليا» لزوجها أيوب عليه السلام البنين والبنات.

📌إنها رسالة للزوجات المؤمنات بأن يصبرن على مرض أزواجهن، أو فقرهم، أو غير ذلك مما يحصل لهم، ولهن في ذلك قدوة امرأة أيوب - عليه السلام -، وكيف صبرت واحتسبت حتى كشف عن زوجها الغمة، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه-: 
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: 
*"لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها"*



🔵 *ان شاء الله غدا الحلقة ( 7)*
 *السيدة مريم رضي الله عنها*

ليست هناك تعليقات:

قران كريم