الاثنين، 18 أبريل 2022

السيدة مريم رضي الله عنها

🟣 *الحلقة (7)*
*السيدة مريم رضي الله عنها*

مريم بنت عمران هي مريم «العذراء» «الصدّيقة» أم المسيح عيسى بن مريم، 

جاء ذكرها في القرآن الكريم في عدّة مواضع حتى أن هناك سورة باسمها، ذُكرت كذلك في السنة النبوية مما رُوي من أحاديث النبي محمد. 

شهد الله لها بالعفة وطهّرها واصطفاها على نساء العالمين، واصطفاها لمعجزة إلهية تمثلت بحملها بعيسى وولادته من غير أب. روي في كمالها عن النبي محمد أنه قال: 
*«كمل من الرجال كثير، ولم يكمُل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»*
📝 (رواه البخاري ومسلم).

رُوي أنّ حنة بنت فاقوذا زوجة عمران كانت عاقراً لم تلد، إلى أن عجزت، فبينما هي في ظلّ شجرة أبصرت بطائر يطعم فرخاً له، فتحرّكت عاطفتها للولد وتمنّته فقالت: 
يا ربّ إنّ لك عليّ نذراً، شكراً لك، إن رزقتني ولداً أن أتصدّق به على بيت المقدس فيكون من خدمه. 


وقد استجاب لها الله سبحانه، فحملت، وأثناء حملها توفي زوجها عمران.

أولى الامتحانات أن أمها، التي كانت ترجو أن ترزق غلاماً لتهبه لخدمة بيت المقدس رزقت بنتاً، والبنت لا تقوم بالخدمة في المسجد كما يقوم الرجل، وأسفت حنّة واعتذرت لله عزّ وجل فقالت: 
 
*فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* 

لكن الله سبحانه وتعالى قبل من حنّة النذر، وجعله نذراً مباركاً.

ولدت مريم يتيمة فقد توفي والدها عمران وهي في بطن أمها حنة بنت فاقوذا. فكانت أمها لا تستطيع تربيتها لكبر سنها. فكان كل شخص يريد أن يحظى بكفالتها فعمران أبو مريم كان معلمهم ومن درسهم دينهم وذا أفضال عليهم.

 فاتفقوا أن يقفوا على مجرى النهر ويرموا أقلامهم (اختاروا القلم لأن أبو مريم كان يعلمهم بالقلم). آخر قلم يبقى في النهر دون أن ينجرف هو الذي يكفلها.

 فرموا أقلامهم وجُرفت أقلامهم ووقف قلم زكريا أي أنه لم يكن آخر واحد ولكن وقف تماماً في النهر. فرموا مرة ثانية وحدث نفس ماحدث في المرة الأولى أي أن قلم زكريا وقف في النهر. رموا المرة الثالثة فوقف القلم في النهر مرة أخرى عن زوج خالتها نبي الله زكريا، وكان هذا من رحمة الله بمريم ورعايته


شبّت مريم وبيتها المسجد، وخلوتها فيه، وبلطف الله بها كان الطعام يأتيها من الغيب، وكلما زارها النبي زكريا، وجد عندها رزقاً، فكان يسأل عن مصدر هذا الرزق لأنه هو كافلها، فتقول له:   

*هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حساب*

وطوال تلك المدة كانت مريم، وهي المنذورة المقيمة في المحراب، فتاة عابدة قانتة في خلوة المسجد تحيي ليلها بالذكر والعبادة والصلاة والصوم.


 بدأت الملائكة تكلم مريم وهذا اصطفاء 
 *وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ*


أرسل الله تعالى جبريل -عليه السلام- إلى مريم العذراء متمثلًا بصورة البشر، فكان رجلًا سوي الخلقة وفي أحسن صورة، 

فلما تفاجئت بروئيته استعاذت بالله ولجأت إليه وبدأت ترجوه أن يتقي الله تعالى ويخافه فيها، فأخبرها بأنّه رسول من عند الله تعالى، وبشرها بالمعجزة الكبيرة التي اصطفاها الله بها من دون البشر وهي ولادة ابن لها من غير وجود أب له.

 فما كان منها إلا أن تتعجب بعد هذه البشرى فهي غير متزوجة ولم يمسسها رجل قط وكانت عفيفة طاهرة لا سبيل لأحد من الرجال عليها وكانت لا تريد مننهم أحدًا وهذا ما أخبر به الله تعالى حين قال: 
*{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}*.

بعدما بشر جبريل -عليه السلام- السيدة مريم بحملها وشعرت به ما كان منها إلا أن تعتزل الناس وتبتعد عنهم وتختلي بنفسها عن جميع الخلائق، فذهبت إلى مكان بعيد عن أعين الناس لا يراها فيه أحد وذهبت وهي تعلم بحملها وتريد أن تخفيه عن الناس لكيلا يعلم به أحد.

لما شعرت مريم عليها السلام بقرب ولادتها، وأتتها مقدمات الولادة خرجت من المكان القصي الذي اتخذته تبحث عن مكان يعينها في ولادتها وبسبب ألم الولادة اتخذت جذع نخلة لتتكئ عليه وتتعلق به ليعينها على الولادة، وقد كانت تقاسي ألآم الولادة وتفكر في العار الذي سيصيبها بعد الولادة حتى إنها كانت تتمنى الموت بسبب الموقف الذي كانت تعيشه إلا أن الله تعالى سّهل عليها ولادتها فأرسل إليها جبريل -عليه السلام- يخبرها أنّ الله تعالى جعل لها سريًا من تحتها،
قيل أن السري هو عيسى ويقال كذلك للرجل بسبب كماله وليبشرها بأنّه سيكون له شأن عظيم لكي لا تحزن وتهون عليها ولادتها.
 وقيل أن السري هو سيل من الماء يجري تحت المكان الذي تجلس به ومن الخوارق في ولادتها أن جذع النخلة الذي كانت تعتمد عليه يابسًا ولا يحمل الثمار فلما هزت الجذع أثمر وصار عليه رطبًا ليكون قد توفر عندها الماء والغذاء لتأكل وتشرب وتكون قريرة العين بولادة ابنها الذي سيكون غلامًا سويًا ورجلًا ذو قيمة وشأن،

 وأن لا تكلم الناس فأمرها الله تعالى بالاطمئنان والسكون ونبذ الأفكار والوساوس المخيفة وعدم توقع ما تكره فالله تعالى معها وهو خير حافظ لعباده المؤمنين


كانت السيدة مريم العذراء تخشى الوقت الذي ستقابل به قومها وتخشى ما سيقولنه لها، لكن الله تعالى أمرها إن رأت أحدًا من قومها أن تبقى صامته فلا تكلمهم حيث قال الله تبارك وتعالى: 
*{فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا)*.

 
 لما أتت السيدة مريم إلى قومها وهي تحمل ابنها بين يديها استنكروا عليها ذلك واستعظموه فيكيف يكون من هذه العابدة العفيفة ذات النسب الطيب أن تأتي بابن من غير زواج، 

فقالوا لها بأن أبها لم يكن إلا رجلًا طيبًا لا يعرف سوى وأن أمها لم تكن امرأة يبغونها الرجال، وقاموا بتذكيرها بكبار قومها فنادوها بأخت هارون وهو نبي الله وأخو موسى عليه السلام، ولم يتذكروا أن مريم العذراء كانت تعتكف المحراب وأنها تربت في بيت نبي وأنها لم تكن تبتغي الرجال وإنما لمّا رأوه استنكروا ذلك عليها واستعظموه ووصفوه بأنّه شيئ فري.


لمّا استعظم قوم مريم أمرها أشارت إلى الطفل الذي تحمله وهو عيسى -عليه السلام- فتعجبوا لفعلها وقالوا لها كيف نكلم طفلًا في مهده،

 فأنطقه الله تعالى فقال لهم بأنه عبد لله تعالى ونبي من عنده، ويصف كتاب الله تعالى هذا الموقف في قوله تعالى: 
*{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا، وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}.*

وبعد ذلك أصبح قومها يعلم ان هذا الصبي هو نبي الله وأمنوا به وبدعواه وعادت إلى السيدة مريم مكانتها ثانيا فهي تضرب مثل في العفة والشرف وليس كما أدعوا عليها فسلام عليها يا مريم العذراء يا أم النبي يا أشرف نساء العالمين.
 

🔵 *ان شاء الله غدا الحلقة (8)*
*قصة السيدة حليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم*

ليست هناك تعليقات:

قران كريم