الثلاثاء، 4 أغسطس 2020

قصة تعبر عن حالنا كنا فين واصبحنا فين منقولة

بين الأساتذة والأطباء

أنا جالي تيفويد وانا في الثانوية العامة ودخلت في غيبوبة كاملة 3 مرات ... منها مرة ل3 أيام .. ده لأن التشخيص إتأخر جدا رغم إنه كشف عليا أطباء عظماء جدا منهم واحد كان مدير الخدمات الطبية في الجيش المصري .. 

وصلنا لنقطة إن العائلة كلها كانت بتستعد لمراسم الدفن وبيتنا مليان ناس معظمهم سيدات علشان العزاء. في يوم زارنا عمي الكبير الدكتور أحمد الصفتي السركي وكان مدير هيئة المصل واللقاح بالعجوزة وقتها ... اللي بقت شركة فاكسيرا لاحقا. لقى جداتي الإتنين حوالين سريري واحدة من كل جهة .. ولقى أمي منهارة تماما .. والستات بدأوا يلبسوا إسود فعلا .. وأبويا في الجامع بيبكي طول الوقت .. وحرارتي ماشية 40-39 على فترات. قال لهم فيه حاجة غلط .. 

جاب عربية كبيرة من عندهم عبارة عن معمل متنقل للقوافل الصحية .. وقفت تحت البيت .. وبدأوا ياخدوا عينات واحدة ورا واحدة ويطلعوا له النتائج .. وفي النهاية إكتشفوا إنه تيفويد .. وبدأ العلاج الصحيح .. 

وصلت للشفاء يوم 4 إبريل 1974 .. رجعت مدرستي .. مدرسة المتفوقين في عين شمس لأنها داخلية .. علشان أحاول ألحق أي مراجعات قبل إمتحان الثانوية العامة لقيت جميع زملائي روحوا بلادهم خلاص للإستعداد النهائي للإمتحان .. كنت حانهار لأني لسة مابدأتش .. لكن أبويا قال لي : ماحدش متوقع منك حاجة وماحدش حيلومك على حاجة لأن الدنيا كلها عارفة اللي جرالك.

رجعت البيت .. لقيت والدي بيقول لي إيه أكتر مادة بتحبها ؟؟ قلت له الميكانيكا .. قال لي إبتدي بيها .. طلعت مسألة عن العزوم كان الشكل فيها ثماني الأضلاع والعجيبة حليتها في دقائق .. وبدأت مشوار المذاكرة للثانوية العامة بدون ضغوط.

كان الوقت ضيق جدا وكل شوية أقترب من الإنهيار لكني فوجئت بزيارة واحد من زملائي كان أكتر واحد غايظني طوال دراستي الثانوية .. محمد صابر محمد السيد خميس .. كنت متغاظ منه لأنه كان دايما بيطلع الاول عليا رغم إني كنت مستميت علشان أدوق الاولوية ولو مرة واحدة .. لكنه كان شاطر في كل حاجة ومابيقعش أبدا في مادة. فصلي في ثانوي كان 16 طالب فقط كلهم من أوائل محافظاتهم وكنت حاجز المركز التاني دايما بعده .. وجابلي إحباط لدرجة إنه مرة طلع الأول عليا بنصف درجة .. حاجة محبطة جدا. المهم إنه جاء لزيارتي ومعاه ملخصاته الخاصة بخط إيده علشان أذاكر منها .. وتكررت زياراته رغم إن الثانوية العامة محتاجة تركيز .. وكان بيطمئن عليا بمنتهى الجدية. 

بعدها فوجئت بأساتذتي في المدرسة بيجولي البيت واحد ورا واحد .. الأستاذ نبيل نيروز أستاذ الفيزياء ومحمد اللقاني أستاذ اللغة العربية و فوزي إلياس أستاذ الأحياء وغيرهم .. كل واحد ييجي بيتنا بشكل مفاجئ ويقعد معايا ساعة أو ساعتين يلم المادة بتاعته ويشجعني ويمشي .. 

مدرستنا عمرها ماعرفت الدروس الخصوصية .. وأساتذتنا كانوا عباقرة ومتفانيين في عملهم لأنهم كانوا بيدرسوا لأفضل عقول في مصر والتحديات من العيال دي كبيرة .. وكان كل ليلة فيه مدرسين مختلفين بييجوا الساعة 7 مساء يلفوا على غرف المذاكرة علشان لو حد مزنوق في حاجة في المذاكرة يساعدوه. 

أساتذتي اللي زاروني في البيت رفضوا بمنتهى الإصرارأي مبالغ مادية لوقتهم .. والأستاذ نبيل نيروز قال لأمي جملة خطيرة جدا : إزاي تفكري في كدة ؟ ده إبني أنا زي ماهو إبنك إنتي. وفي الحقيقة التعبير ده أنا حفظته عندي في الميموري وإستخدمته لما بقيت طبيب ... لما أهل المريض محدود القدرات يحاولوا يجيبوا له دعم مادي لمصاريف الغيارات والتدخل الجراحي من الجامع أو الكنيسة أو جمعية شرعية .. خصوصا لو المواضيع بقت زيادة شوية .. كنت باقول نفس الكلام .. ده أخويا أو أختى .. مالهمش فيه زي ما ليا فيه .. وماباحبش شركاء ليا في مريضي عند ربنا. 

المهم إنه بفضل الله عديت من الثانوية العامة وطلعت التاني برضه أو التالت في فصلي لكن الأول كان محسن مصطفى موسى خالد .. ودي حاجة عادية في الثانوية العامة .. دايما فيه مفاجآت في مدرسة المتفوقين وناس بتخترق الصف وتظهر. 

المدهش إن الطب لغاية الوقت ده ماكانش على بالي .. كان أملي أدخل الكلية الفنية العسكرية .. وكنت يوميا وانا راكب أتوبيس 44 أو 300 ورايح المدرسة بامر عليها فأدعي ربنا إني أدخلها .. وأقرأ الفاتحة للزعيم عبد الناصر .. 

بعد الثانوية العامة لقيت معظم فصلي دخلوا الطب ماعدا 3 عباقرة دخلوا الهندسة. ولقيت أهلي كلهم بيتكلموا على الطب وكأنها أمر واقع ومافيش إحتمالات تانية وخصوصا إن جدي لوالدي كان طبيب ومافيش حد من ولاده أكمل مسيرته. جدتي أم والدي بالذات ، السيدة عطيات السركي اللي كانت عميدة العائلة وقتها ، كانت سيدة مجتمعات ولبقة ومقنعة جدا .. وكان لها فعل السحر على الناس .. تصدرت لعملية غسيل المخ .. ربما بالإتفاق مع أمي ... وخلتني أنام وأصحا أقول طب طب طب .. رغم العك الكبير من الأطباء اللي كان حيموتني في أحرج سنة في حياتي. 

العجيب إني تعاملت في حياتي كلها مع الطب برؤية هندسية .. رسالة الماجستير والدكتوراه بتوعي مليانين معادلات .. وأبحاثي في أمريكا وبعدها كلها عن تصميم ميكانيكي لأجهزة التبول والتبرز وقياس أمراضها الوظيفية حسابيا. حتى في القدم السكري .. طرق التشخيص اللي علمتها لتلاميذي كلها حسابات مش كلام مرسل كدة.

الصورة دي صورتي اللي قدمتها علشان إستمارة دخول إمتحان الثانوية العامة. واضح آثار المرض الشديد لدرجة الإحتضار .. إتصورتها وأنا قاعد على سريري والمصور جالنا البيت وإستغلوا فرصة بين الغيبوبات لتصويري. اللي مش باين في الصورة إن أبويا كان قاعد تحت وساند ضهري بيده علشان ما أقعش .. وكمان اللي مش باين إني كنت لابس بنطلون البيجاما مع الجاكت والكرافتة.

ليست هناك تعليقات:

قران كريم