الأربعاء، 2 أبريل 2014

الاعتذار عن الخطأ من التدين وسلوك حضارى ( من شيم الكبار الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه ) جمعت بعض منها ليتعلم الجميع الثقافة المفتقدة فى الكثير

شارك برايك يهمنا Feedback Feedback mhassanabo@gmail.com maboeleneen@yahoo.com الاعتذار سلوك حضارى الاعتـــــذار الاعتذار من شيم الكبار ، وخلق من أخلاق الأقوياء ، وعلامة من علامات الثقة بالنفس التي لا يتصف بها إلا الكبار ، الذين لديهم القدرة على مواجهة الآخرين بكل قوة وشجاعة وأدب ، والحياة بدون اعتذار ستحمل معاني الندية ، وستخلق جواً من التوتر والقلق بين الناس . فالاعتذار خلق اجتماعي جميل يدعو للتعايش ، ويمحو ما قد يشوب المعاملات الإنسانية من توتر أو تشاحن نتيجة الاحتكاك المتبادل بين الناس. والاعتذار ينفي عن صاحبه صفة التعالي والكبر ، ويمنحه المصداقية والثقة في قلوب الآخرين ، كما أن الاعتذار يُزيل الأحقاد ، ويقضي على الحسد ، ويدفع عن صاحبه سوء الظن به ، والارتياب في تصرفاته. لماذا الاعتذار من أخلاق الكبار؟ لأن الاعتذار يعني الاعتراف بالخطأ ، وقلما تجد إنساناً يستطيع أن يواجه الآخرين بخطئه أو يعترف به. ولأن الاعتذار يعني تحمل المسئولية عن الخطأ الذي ارتكبه صاحبه ، وهو كذلك صعب التحقيق إلا بين الكبار الذين يواجهون أخطاءهم بكل قوة وحزم . ولأن الاعتذار يحتاج من صاحبه إلى قوة نفسية هائلة تدفعه للمبادرة به ، وهو ما لا يتوفر إلا للكبار الذين كبحوا جماح أنفسهم فسلس لهم قيادتها. ولأن الكبار هم الذين يُراعون مشاعر الآخرين ، ولا يجرحونها ، فلا يتعدون على حقوقهم أو يدوسون على كرامتهم ، لذا فإنهم متى بدر منهم ذلك يسارعون للاعتذار وتصحيح الخطأ ، وهذا أيضاً لا يكون إلا من أخلاق الكبار. ثقافة الاعتذار الكبار يفهمون الاعتذار فهماً راقياً ، فلا ضير من الاعتذار للزوجة إذا أخطأوا في حقها، ولا مانع من الاعتذار لمرؤوسيهم إذا قصروا في أداء الواجبات المنوطة بهم ، ولا ينقص من قدرهم إذا اعتذروا ولو كانوا في مراكز قيادية. على العكس تماماً من صغار النفوس ، والعامة من الناس الذين دأبوا على التهرب من الاعتذار عن أخطائهم التي ارتكبوها ، فالزوج تأخذه العزة بالإثم من الاعتذار لزوجته خوفاً من أن يُنقص ذلك من رجولته ، والمدير لا يعتذر لموظفيه خشية أن يعتبرونه ذو شخصية ضعيفة ، والمدرس لا يعتذر لتلاميذه إذا أخطأ معهم خوفاً من الاتصاف بعدم التمكن من مادته. لقد اقتصر الاعتذار بين العامة في الأشياء العابرة الخفيفة مثل الاصطدام الخفيف أثناء المشي ، أما في المواقف الجادة والحقيقية والتي تحتاج الاعتذار حتى تستمر عجلة الحياة ، ويستقر التعامل بين الأقران نرى التجاهل وعدم المبالاة، والواقع يؤكد ما نقول. الاعتذار ليس ضعفاً الكبار يرون في الاعتذار مصدراً لزيادة الثقة بينهم وبين مخاطبيهم ، ومجالاً خصباً لبناء علاقات اجتماعية قوية ، لا تتأثر بالنوازل أو الخلافات . فالكبار يعتبرون الاعتذار إحدى وسائل الاتصال الاجتماعية مع الآخرين ، بل ومهارة من مهارات الحوار معهم ، فالاعتذار يجعل الحوار متواصلاً ومرناً وسهلاً ، إذ أن ذلك سيرفع من قلب مُحدثك الندية الصلبة في النقاش أو الجدل العقيم في الحوار ، فالاعتذار يعني الاعتراف بالخطأ والندم على فعله ، والاستعداد الكامل لتحمل تبعاته ، وهو ما يعني إكسابك القوة في نظر المتعاملين معك ، وهذا ما يدفع مُحدثك للتعجب وقد يصارحك بأنك شخص "قوي وجريء" ويُجبره اعتذارك على احترامك بل ومساعدتك في تصحيح الخطأ إذا لزم الأمر. أنا آسف الكبار لا يترددون أبداً في تقديم عبارة الأسف "أنا آسف" إذا ما بدر منهم ما يستحقها ، ولا فرق عندهم لمن تُقدم العبارة ، لرجل أو امرأة ، صغير أو كبير ، فالأسف عند الكبار لا يقتصر على الكبراء أو عيلة القوم أو الوجهاء وأصحاب المراكز المرموقة. وكلمة "أنا آسف" لا يعتبرها الكبار نقيصة يتهربون منها ، أو عيب يستحيون منه ، بل هو خلق يتقربون به إلى الله ، وسلوك إيجابي يتحلون به ويُزينون به أخلاقهم. وكلمة "أنا آسف" تخرج من قلوب الكبار قبل أن ينطق بها لسانهم ، فيُزيلون غضباً عارماً في النفوس ، ويُداوون بها قلباً مكلوماً ، أو يجبرون خاطراً مكسوراً ، كم من المشاكل والخلافات التي تقع ويكفي لاتقائها مجرد اعتذار بدلاً من تقديم الأعذار والمبررات التي يحاول بها الصغار والضعفاء تبرير أخطائهم ،فتتفاقم المشكلة ، ويزداد الجرح إيلاماً. سياسة التبرير البعض من صغار النفوس ، بدلاً من السعي لتصحيح أوضاعهم ومراجعة أنفسهم ، وإصلاح ما أفسدته تصرفاتهم ، فإنهم يحاولون تبرير أخطائهم ، وتقديم الأعذار التي يحاولون من خلالها التملص من تحمل المسئولية ، أو تجميل الصورة والظهور بالمظهر اللائق أمام الناس. إن السبب الرئيسي لسياسة التبرير التي ينتهجها البعض هي المبالغة الشديدة في احترام الذات وتقديسها للدرجة التي توصله إلى المكابرة وعدم الاعتراف بخطئه ، ظناً منه أنه باعترافه بخطئه يُهين نفسه ، ويقلل من مكانتها ،فيلجأ للحيل الدفاعية التي يحاول من خلالها إبعاد النقص عن نفسه. ومع أن ارتكاب الأخطاء أمر مُشين ويَعيب مرتكبيها ، إلا أن الاعتراف به وعدم المجادلة بالباطل قد يمحو آثار هذا الخطأ ، ويُكسب صاحبه تعاطف الآخرين ووقوفهم بجانبه. إن أخطر ما في سياسة التبرير التي ينتهجها البعض هي أن تنتقل عدوى التبرير إلى من حولنا ، فالأب الذي لا يعتذر لأولاده مثلاً عن عدم وفائه لهم بوعد وعده لهم إنما ذلك درس عملي لهم أن ينتهجوا نفس النهج ، ويسلكوا نفس السلوك ، وقس على هذا كل المسئولين مع مرؤوسيهم . إننا نُصاب بالصدمة الكبرى عندما نرى إنساناً يتولى إمارة أو مسئولية أو أمراً قيادياً ، ولا حديث إلا عن الإنجازات والعطاءات والمشروعات الناجحة والعملاقة ، صفحاته كلها بيضاء ناصعة لا خطأ فيها ، إنها صفحات تُشبه صفحات الملائكة المعصومين ، والأنبياء المرسلين ، التي لا مكان فيها للخطأ أو النقصان ، أو حتى السهو أو النسيان .. ولا حول ولا قوة إلا بالله. ألا فليعلم الجميع أن الاعتراف بالخطأ أطيب للقلب وأدعى للعفو ، ومعلوم أن توبة الصحابي الجليل كعب بن مالك لم يُنقذه إلا صدقه وصراحته. خلق جميل ولكن !!!! ورغم أن الكبار من سماتهم المسارعة إلى الاعتذار ، والبعد كل البعد عن التبرير والمجادلة في الباطل في الأمور التي ظهر فيها خطأهم ، إلا أنهم مع ذلك يجتنبون الوقوع فيما يُوجب الاعتذار ، مسترشدين في ذلك بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم الجامعة لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه " إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع و لا تكلم بكلام تعتذر منه و اجمع الإياس مما في أيدي الناس"1 ، وإن أخطأوا يوماً أو زلت أقدامهم فإنه "لَا حَلِيمَ إِلَّا ذُو عَثْرَةٍ وَلَا حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ"2 قبول الأعذار ومع اتصاف الكبار بهذا الخلق العظيم، وهذا السلوك الإيجابي من تقديم الاعتذار والاعتراف بالخطأ متى بدر منهم ، فهم كذلك يبادرون لقبول الأعذار من المخطئين في حقهم ، فلا تعالي ، ولا بطر ولا أشر ، بل مسامحة وعفو وطيب خاطر ، وهم بذلك يقدمون درساً عملياً للناس فقبول الاعتذار بهذه الصورة يحض الناس على الاعتذار متى أخطأوا لأن الإصرار على الملامة والعتاب وتسجيل المواقف لإحراج المعتذرين ، يجعلهم يُصرون على الخطأ ، ويأبون الاعتراف به. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ"3 الأنبياء يعتذرون ويطيب لنا أن نتوجه إلى المتعالين المتأففين ، الرافضين للاعتذار ، الناكفين عن تقديمه ، نتوجه لهم بهذه الباقة من الكبار العظماء ، إنهم أشرف وأطهر من مشوا على الأرض ، إنهم أنبياء الله ورسله الذين اختارهم الله على عينه ، وأدبهم فأحسن تأديبهم ، ومع ذلك فهم يُقدمون لنا الأسوة والقدوة في المبادرة للاعتذار للتأكيد على أنه خلق لا يشين ولا يقلل من قيمة صاحبه. آدم عليه السلام: اعترف بذنبه لما أخطأ وسارع إلى ذلك ، ولم يُحاول تبرير ما وقع فيه من إثم بمخالفة أمر الله ، والأكل من الشجرة المحرمة عليه هو وزوجه ، لم يُراوغ ، لم يتكبر ، لم ينفِ لكنه جاء معترفاً بخطئه ومُقراً به " قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ"[الأعراف":23] موسى عليه السلام : أخطأ عندما وكز الرجل بعصاه فقتله ، فماذا حدث؟ إنه لم يبرر فعلته ، ولم يراوغ لإيجاد المخارج من هذا المأزق ولكنه اعترف ابتداءً أن ما فعله من عمل الشيطان "هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ" ثم قام ليقدم الاعتذار ويطلب العفو والصفح والمغفرة "قال رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"[القصص: 15-16] بلقيس وامرأة العزيز : كلتاهما كانتا تعيشان في بيئة وثنية كافرة ، ولكنهما اعترفتا بذنبهما ، وتابتا ورجعتا عن خطئهما أما الأولى وهي بلقيس فإنها متى رأت الآيات والبينات تترا على يد نبي الله سليمان حتى قالت"رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"[النمل: 44] وأما الثانية امرأة العزيز التي راوغت ، وكادت لتبرير موقفها الصعب ، وسلوكها المشين إلا أنها اعترفت في شجاعة نادرة " قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ . ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ"[يوسف:51-52] يا لها من قوة تحلين بها ، وجرأة في الحق يعجز أكابر الرجال في زماننا أن يأتوا بمثلها ، بيد أن البيئة الوثنية كانت أفضل حالاً من بعض البيئات اليوم التي أفرزت قطيعاً من المنافقين الكذابين ، المتعالين الذين ليس لديهم من الشجاعة ما يؤهلهم لمواجه الآخرين بأخطائهم. رسول الله يعتذر :عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ فَقَالُوا يُلَقِّحُونَهُ يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى فَيَلْقَحُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا قَالَ فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"1. شيم الكبار الكبار دائماً وأبداً يعتذرون لدفع الشبهة التي قد يتوهمها البعض ، فهو لا ينتظر المعاتبة أو المراجعة حتى يُبرر موقفه من ذلك ، بل يسارع ليُنهي الأمر في وقته ، جاء أناس من الأشعريين (قوم أبو موسى الأشعري) رضي الله عنه ، وطلبوا منه مرافقتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن يعلم ما يُريدون ، وإذا بهم جاءوا ليطلبوا الإمارة والولاية على بعض أعمال المسلمين ، فظهر أبو موسى وكأنه جاء ليشفع لهم في طلب الإمارة ، فردهم النبي صلى الله عليه وسلم رداً لطيفاً ، ولكن الصحابي الجليل شعر بالحرج الشديد فقال :"فاعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل وعذرني" من أساليب التربية بالقرآن الكريم الاعتراف بالخطأ الدكتور عثمان قدري مكانسي هو فضيلة يفتقر إليها الكثير من الناس ، بل إنه شجاعة يقدم عليها المنصف الجدير بالاحترام . فمن اعترف بخطئه أقرَّ بإنسانيته . فالإنسان خلق من عَجَل ، وفيه عنصر الخطأ ، ومن أقرَّ بخطئه قمين أن يصلح ما أفسده . أما الذي يخطىء ، ويدعي العصمة ، ولا يقرُّ بما اقترفَ ففيه لؤم ولا أمان له . ـ فهذا أبونا آدم وأمنا حواء ، حين انجرّا وراء إبليس بعد أن أقسم لهما أنه صادق ، فأكلا من الشجرة ، وبدت لهما سوءاتهما اعترفا بالخطأ ، فأقرّا بذنبهما فـ : (( قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)))(1) ، وقد عفا الله تعالى عنه وزوجته حين أقرا بالخطأ : (( فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122) ))(2) . ـ وهذه امرأة العزيز حين أبى يوسف عليه السلام أن يخرج من السجن إلا إذا بُرِّئَت ساحتُه ، يستدعيها ، وصاحباتها الملكُ ويسألهن : ((قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَـصَ الْحَـقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَـنْ نَفْـسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)))(3) . ـ هذا سيدنا موسى عليه السلام يستنجده اليهودي في خصامه مع القبطي : (( وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17)))(4) . 1ـ علم موسى أنه أخطأ ، ولم يكن يقصد قتل القبطي . 2ـ نسب هذا الفعل إلى الشيطان ، ووسوسته . 3ـ استغفر ربه وأناب إليه ، فتاب الله عليه . 4ـ عاهد ربّه أن لا يعود إلى مثل هذه الأمور . وعلى هذا فإن موسى عليه السلام حين أتى فرعون يدعوه إلى عبادة الله وحده استنكر فرعون أن يكون القاتل نبياً ، وذكَّره بقتله القبطي ((وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)))(5) فما كان من موسى عليه السلام أن اعترف بذلك (( قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) ))(6) . ونسي فرعون ، أو تناسى أن موسى عليه السلام قتل المصري خطأ أمّا هو فطاغية مجرم قتل عشرات الآلاف من المصريين ، واستعبد بني إسرائيل ، وكان يقتل المواليد من الذكور لِحُلُم رآه ـ قتلهم عن قصد ـ لكنّ الإنسان لا يرى ذنبه مهما كبر ، ويرى ذنب غيره مهما صغر . ـ وذهب موسى مع الرجل الصالح ليتعلم منه ( في قصة موسى مع الخضر في سورة الكهف ) فلما استعجل العلم مرتين ، مرّة في خرق السفينة ، ومرّة في قتل الغلام رأى في المرى الثالثة أنّه أخطأ فـ : (( قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)))(7) . ـ والله سبحانه وتعالى وعد المخطئين الذين فعلوا ما فعلوه عن جهل ، وسوء تقدير ، ثم استدركوا ، فتابوا ، بالمغفرة والرحمة (( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) ))(8) . ـ وهؤلاء أصحاب الجنة لم يكونوا كأبيهم كرماً ، وفضلاً ، وإحساناً فبخلوا على الفقراء أن يعطوهم نصيبهم ، فاتفقوا على قطف ثمارها وبيعها قبل مجيئهم ، فأحرق الله زرعها نكاية بهم ، وجزاء لهم على شحهم ، وبخلهم ، (( قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) ))(9) فاعترفوا بخطئهم ، وأنابوا إلى ربهم واستغفروه ، وأقروا بظلمهم المساكين ، وظلمهم أنفسَهم . ـ هؤلاء أقروا بما فعلوا في الدنيا ، وما زال في الوقت متسع وإن أنابوا واستغفروا رضي الله عنهم ، ولكنْ في الآخرة لا ينفع الندم ، ولا يفيد الاستغفار ، ففي الدنيا عمل ، وفي الآخرة حساب : (( وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) ))(10) . فبماذا يجيبهم الله سبحانه وتعالى ؟ إنه سبحانه يعاقبهم ويوبخهم : (( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)))(11) . وهؤلاء المجرمون ، وهم في العذاب الشديد يدعون على أنفسهم ، فهم الذين أوقعوها في جهنّم ، فيخبرهم الله تعالى أنه يكرههم ، ويمقتهم أكثر مما يكرهون أنفسهم ويمقتونها (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)))(12) . ـ وتعالَ معي من قريب نلحظ هذه الصورة ، وهذا النقاش بين ملائكة العذاب ، والكفار الذين اعترفوا بما اقترفوا : (( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) ؟ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) ))(13) . فالاعتراف إذاً بالخطأ وفي الوقت المناسب ينجي من اقترفه في الدنيا حين يسامحه من أساء إليهم أما الاعتراف في الآخرة ، فهو على نوعين : الأول : الخطأ في العقيدة كالكفر بالله والشرك به ، فهذا لا غفران له . الثاني : الخطأ في التصرف ، فالله غفور رحيم نسأله أن يغفر لنا خطايانا أَنْ كنا من المؤمنين . خبير البرنامج: السيد حسن الكشميري الباحث الإسلامي من مدينة قم المقدسة مستمعينا الكرام... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مرحباً بكم في لقاء جديد لبرنامج (آداب شرعية لحياة طيبة)، وموضوع هذه الحلقة هو (أدب الاعتراف بالخطأ والتوبة). نرجو قضاء وقت ممتع مع فقرات هذه الحلقة ونتمنى لكم الخيروالهناء. أيها الإخوة والاخوات:- الأخطاء هي إحدى حقائق هذه الحياة أنها في طبيعتنا نحن البشر. فمن منا لم يقع في الخطأ في حياته الماضية؟ لكن المهم أن لانتمادى في الخطأ ولانصرّ عليه. وأن نرجع الحقوق الى أهلها ونعتذر عمن اخطأنا في حقه. وان تنظر الى الاخطاء على أنها فرصة لإصلاح الذات وإكتساب الخبرة وإعادة المحاولة والسير في الطريق الصحيح. إن القيمة الحقيقية للإنسان لاتكمن في عدم الوقوع في الخطأ بل بالقدرة على النهوض كلما وقع. أي القدرة على إكتساب الخبرة النافعة ثم التغلب على الشعور بتأنيب الضمير والاحساس بالذنب من أجل تحرير نفسه من أي قيد يعطل مسيرة حياته. والاعتراف بالخطأ أول سلّم الحياة الناجحة وأول خطوة نحو التقدم. أما التمادي في الخطأ والغرور والشعور بالكبرياء فذلك هو الخطأ بعينه الذي لايرجى علاجه إن من التواضع ان يعترف الانسان بخطأه ويتلافى ذلك بالقيام بالأعمال الحسنة. يقول الامام أميرالمؤمنين عليه السلام: إذا أنت في يومٍ إقترفت اساءةً فثنّ باحسانٍ وأنت حميد ولاترج فعل الخير يوماً الى غدٍ لعل غداً يأتي وأنت فقيد وليس في التاريخ انسان عظيم لم يتصف بالتواضع خلقا، وسير قادة المجتمعات ومصلحي البشر تفيض بالأمثلة الناطقة. والكتب السماوية المقدسة تضع التواضع أساساً للمحبة والخلق العظيم. ولقمان الحكيم يوصي ابنه بالتواضع فيقول كما جاء في القرآن الكريم: "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَايُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ".(سورة لقمان:۱۸) عزيزي المستمع، الشعور بوجود مشكلة هو الخطوة الاولى للتخلّص منها ولذلك فالبداية تكمن في نقد أنفسنا ومراجعة ذواتنا بهدف تصحيح أخطائنا. وإكمال مسيرة حياتنا في الإتجاه الصحيح. ثم التفكير بالجانب العملي الذي يحرّر الإنسان من هذا الخطأ. نسأل أنفسنا: ما هو الدرس الذي علمناه من هذا الخطأ؟ وكيف يمكن أن أحول هذا الخطأ الى فرصة لتحسين اسلوب تعاملي مع الآخرين؟ والسؤال الأهم: ما الذي يجب عمله لتصحيح هذا الخطأ. ما هي الخطوة العملية التي يجب أن أبدء بها الآن؟ قد يكون ذلك عبر التقدم بالاعتذار لمن وجهت لهم اساءة أو تغيير أسلوب معاملتي لهم، أو غير ذلك. من الممكن مع اخلاص النية تحويل السيئات الى حسنات والاخطاء الى أعمال صحيحة عن طريق الاعتذار والتوبة وتغيير الذات الذي أمرنا به القرآن الكريم وجعله شرطاً لتغير الله عزّ وجل ما بنا من سوء، المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة نستمع له من ضيفنا الكريم (سماحة الشيخ حسن الكشميري، باحث إسلامي من قم المقدسة)... . الكشميري: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله آل الله هناك حزمة من الآيات في القرآن الكريم أوضحت على أن الله سبحانه وتعالى أناط مستقبل الإنسان الى نفسه وحين أودع الله سبحانه وتعالى عند الإنسان الحجة الباطنة وهي الفطرة او العقل قال له: إقبل، أقبل ثم قال: إدبر، أدبر قال: اذن انت مستقبل بيدك، بك اُعاقب وبك اُثيب لذلك نحن لما نستنطق هذه الآية التي ذكرتموها وآيات اخرى هي تنمي هذه الفكرة عند الإنسان بأنك اذا أردت الخير لنفسك فإصنع الخير وإن إخترت عكس ذلك فذلك مصيرك ايضاً "إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها". نقرأ ضمن مجموعة من هذه الآيات "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" (سورة المدثر۳۸) يجب أن يعرف الإنسان من خلال تفكيره على أن الأمور أناطها الله سبحانه وتعالى بالإنسان "وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ" (سورة البلد۱۰) إما أن يختار هذا الخط او ذلك الخط؛ لامجال للإنسان أن يعتب على هذا وذاك. الله عزوجل وفر له الحجج الباطنة كالعقل والحجج الباطنة كالقرآن والنبي والأئمة من اجل أن يعرف أي الطريقين يختار فما من شك أن الإنسان العاقل الذكي الذي يُوظف عقله في التعامل مع الأمور يُمكنه تماماً أن يحقق هذا المستقبل الإيجابي والطيب لنفسه اذا سار على هذا المنهج وما من شك أن الإنسان اذا رفع الخطوة الأولى الله عزوجل يُعزز خطواته الآتية بالتوفيق كما يقول الأديب: وإذا حلّت الهداية قلباً نشطت للعبادة الأعضاء. هذا هو الهدف الساسي من إلقاء هذا المعنى وزرعه في ذهن البشر حتى يكون الكل سُعداء بإختيار الطريقة التي هم يختارونها وأنهم هم المسؤولون عن مستقبلهم سواء كان سلباً أم إيجاباً. التوبة هي من أوسع أبواب الخير التي فتحها الله للعباد يعني نحن لانستطيع ولاتستطيع الروايات الأخبار أن تحصي الأبواب التي فتحها الله سبحانه وتعالى للإنسان بأن يستغلها للتقرب من الله، الله سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث القدسي "يابن آدم كلما دنوتَ اليّ شبراً دنوتُ اليك ميلاً". من أوسع هذه الأبواب التي فتحها الله لعباده هي التوبة لكن ماهي التوبة؟ التوبة بشرطها وظروفها وبكل مايترتب عليها، التوبة بمعنى الإقلاع عن الماضي تماماً والإنفتاح الى عالم معاكس تماماً أما أن يأتي الإنسان ويُردّد عبارة التوبة دون أن يعرف محتواها وكما أن هناك حديثاً للإمام زين العابدين عليه السلام قال: "من إستغفر وتاب ثم عاد الى ذنبه ثم إستغفر وتاب ثم عاد الى ذنبه فقد إستهزأ بنفسه" لذلك مطلوب منّا أن نكون دائماً على مقربة من باب التوبة، من خطايانا ولكن أهم مايوجد في شروط التوبة هو أن نُقلع عن هذه الحالة تماماً ونعاهد أنفسنا على ان نتعامل مع الله سبحانه وتعالى بلغة جديدة وبعقلية جديدة، هذا هو المُستفاد من معنى التوبة. اعزائنا المستمعين، نشكرسماحة (السيد حسن الكشميري) ونتابع تقديم هذه الحلقة من برنامج (آداب شرعية لحياة الطيبة) وموضوعها هو الإعتراف بالخطأ والتوبة منه. أيها الإخوة والأخوات: ليس من السهل أن يعترف الانسان بخطئه ويعتذر عنه لمن كان ضحيّةً لخطئه فهو امرٌ جدٌ كبير وجدٌ عظيم وجدّ جميل. كبير لانه إنتصار على النفس الأمارة بالسوء. والتي تأمر صاحبها بالتعالي والغرور والكبرياء كما أنه جميلٌ لأنه ارتفاع الى مرتبة التواضع التي تجعل من الصغير كبيرا ومن المغمور مذكورا. ولو بادر كل مسيء لإرضاء الطرف الآخر لانصلحت كثير من الاحوال ونجح كثير من المشاريع والأعمال العامة. وماتت الأحقاد واندثرت الضغائن، أما الذين تأخذهم العزة بالإثم فلايعتذرون ولايريحون ضحاياهم بكلمة ودّ ولحظة صفاء تمحو آثار الألم والمعاناة، التي المت بهم بسبب الإعتداء عليهم بكلمة أو غمزة أو لمزة مما يؤدي الى زرع الحقد في النفس وبثّ الكره في القلب وهي أخطاء وسيآت كان يمكن تلافيها بكلمة حب واعتذار وشرح صادق لما صدر. أحبتنا، المستمعين الكرام، عملية اصلاح اخطاء ارتكبناها في الماضي ليست سهلة، انها تحتاج الى ارادة قوية وعزم وتصميم والنظر الى عواقب الأمور. وسنشعر ببعض الضيق اذا قوبلنا بالرفض وبجفاء من الطرف الآخر. لكنه على كل حال أمرٌ مهم يستحق المعاناة والصبر وتكرار المحاولة. لان ذلك سيمنحنا هدوءً نفسيا وطمأنينة وسكينة رائعة. ويقف الانسان مندهشاً عندما يراجع الاحاديث القدسية ويقف عند آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وأحاديث أهل بيته الاطهار التي تشير الى الطبيعة البشرية الغير معصومة والى سعة رحمة الله عزّ وجل وقبوله التوبة إذ أنه تعالى أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن ممن وجد ضالته في الصحراء. وأنه تعالى يقبل التوبة عن عباده. إذ يقول تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ". (سورة الزمر-٥۳). وقال سبحانه: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "كلّ بني آدم خطّاؤون وخيرالخطّائين التوّابون". فحريّ، إذن، بالإنسان أن يستثمر التوبة ويعزم على اصلاح اخطاء الماضي وردّ المظالم الى أهلها أي اعادة حقوق الناس إليهم. والاستغفار يزيد في الرزق. وكما جاء في القرآن الكريم على لسان النبي نوح على نبينا وآله السلام: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا". عزيزي المستمع، أما الآن فلنستمع معاً لما يقوله ضيفنا الكريم عن أهمية التوبة والاستغفار في اصلاح أخطاء الماضي وما اهميتها في حياتنا ومستقبلنا. اعزائنا المستمعين، الى هنا وصلنا الى ختام حديثنا عن موضوع آداب الإعتراف بالاخطاء والتوبة منها ضمن برنامج آداب شرعية لحياة طيبة. نرجو لكم حياة سعيدة وعلى أمل اللقاء بكم في حلقة أخرى نستودعكم الله والسلام عليكم. الاعتذار عن الخطأ سلوك حضاري الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين صدور الخطأ من الإنسان أمر طبيعي ومتوقع، فما دام ليس معصوما فهو معرض للغفلة وسيطرة الشهوة وغلبة الانفعال، وتلك هي أرضية الخطأ ومنشأ حدوثه. لكن الأمر المهم هو كيفية تعامل الإنسان مع خطئه. فهل يتعهد نفسه بالمراقبة والمحاسبة، ويراجع مواقفه وتصرفاته، ليكتشف أخطاءه وعثراته؟ أم يبقى مسترسلا سادرا تتكرر أخطاؤه وتتراكم دون اهتمام منه وانتباه؟ من ناحية أخرى هل يمتلك شجاعة التراجع والاعتذار عن الخطأ؟ أم يصر عليه؟ أو يتهرّب من تحمل المسؤولية تجاهه؟ ثم إن خطأ الإنسان قد يكون تجاه نفسه، أو تجاه ربه، أو تجاه الآخرين من أبناء جنسه. وحديثنا الآن مخصص لبحث هذا القسم الأخير. اتهام الذات قبل الآخرين: حينما يحصل خلل في العلاقة بين الإنسان وآخرين، فإنه غالبا ما يتنصل من المسؤولية، ويحمّل الطرف الآخر وزر ما حدث، فهو يـبرء نفسه ويصدر حكما سريعا على الآخر بإدانته وتحميله مسؤولية الخلل. وهذا ينشأ من حب الذات، والدفاع عنها، والتعود على تبرير التصرفات والممارسات. أما التفكير بموضوعية، والتعاطي بنضج ووعي، فهو يوجه الإنسان إلى اتهام ذاته أولا، ومحاسبتها على هذا الأساس حتى يثبت العكس. وإذا أخذ الإنسان هذه الفرضية بعين الاعتبار، وحاسب نفسه وناقش تصرفاته وتعامله، فقد يكتشف بالفعل أنه كان مخطئا بحق الآخر، أو أنه شريك في الخطأ، ويتحمل نسبة معينة منه. ويربينا القرآن على هذه المنهجيـة السليمـة في قـوله تعـالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[1] . واكتشاف الخطأ هو الخطوة الأولى في طريق المعالجة والإصلاح، أما الخطوة الثانية والأهم، فهي إعلان تحمّل المسؤولية أمام الطرف الآخر، والاعتذار إليه من وقوع الخطأ تجاهه. وهو موقف بطولي لا يصدر اختيارا إلا عن ثقة وشجاعة وعدالة وإنصاف. فالإنسان الذي يحترم نفسه لا يرى الخطأ جزءا من شخصيته حتى يصعب عليه الاعتذار عنه، بل يراه غبارا ووسخا يرتاح بإزالته والتخلص منه. وتحمّل مسؤولية الخطأ مظهر رفيع لالتزام العدل وممارسة الإنصاف، حيث يكون الإنسان في جانب الآخر مقابل ذاته. وكما يقول الإمام علي : «غاية الإنصاف أن ينصف المرء من نفسه»[2] . ويقول : «ألا إنه من ينصف الناس من نفسه لم يزده الله إلا عزاً»[3] . لماذا الاعتذار؟ الاعتذار يعني الإقرار بالخطأ، وطلب العفو والصفح من الطرف الآخر. قال الجرجاني: الاعتذار: محو أثر الذنب. وقال الكَفَويّ: الاعتذار إظهار ندم على ذنب تُقرّ بأن لك في إتيانه عذرا. وقال المناوِيّ: الاعتذار: تحرّي الإنسان ما يمحو أثر ذنبه [4] . والاعتذار سلوك حضاري يدل على احترام الإنسان لنفسه، وتقديره لغيره. وينطوي على فوائد وعوائد كثيرة من أهمها: 1- الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه يشكل رادعا للإنسان عن تكراره، لأن الاقدام على هذه الخطوة يكتنفها ضغط وعناء نفسي، فليس سهلا على الإنسان أن يقف موقف الإقرار والاعتذار من الآخرين، فهو نوع من العقوبة الاختيارية يفرضها الإنسان على نفسه، مما يخلق لديه حساسية وحذرا من الوقوع في حالة مشابهة، ويجعله يعيد النظر في الأسباب والعوامل التي أوقعته في الخطأ، وذلك سبيل لإصلاح النفس ومعالجة سلبيات السلوك. بعكس ما إذا مرّ الإنسان على خطئه مرور الكرام، ولم يشعر بأي مضاعفات أو نتائج مؤذية، فقد يستهين بالأخطاء حينئذ، ويستسهل ارتكابها. 2- وهو محاولة لإصلاح الخلل الذي أحدثه الخطأ، وتدارك مضاعفاته على الآخرين، كما يشكل نوعا من إعادة الاعتبار لمن وقعت عليه الإساءة، وأداء لحقه. يقول الإمام علي :«حسن الاعتراف يهدم الاقتراف»[5] . 3- والاعتذار ينـزع فتيل الغضب من نفس الطرف الآخر، ويطفئ نار العداوة، ويحتوي الأزمة والتشنج. إن أكثر النزاعات والخصومات المترتبة على تصرفات خاطئة يمكن حلها وتجاوزها عن طريق كلمة اعتذار رقيقة، تشيع في نفس الطرف الآخر الرضا، وتشعره بإعادة الاعتبار 4- ولا يسود هذا الخلق الحضاري الرفيع إلا عبر المبادرة لممارسته من قبل الواعين الناضجين، إن التزام أي فرد به وخاصة إذا كان في موقعية مرموقة، يشجع الآخرين من حوله على التخلق به، فإذا رأى الأبناء شجاعة أبيهم في الاعتذار إليهم عن زلل صدر منه تجاههم، فإنهم سيقتدون به في تعاملهم مع الآخرين، وإذا لاحظ العاملون في أي مؤسسة ان كبار الموظفين يتحملون مسئوليتهم تجاه الأخطاء ويعتذرون عنها، فإنهم سيسيرون على نفس النهج، وهكذا بالنسبة لسائر الموقعيات والمناصب القيادية في المجتمع. إن كل من يتمنى ويرغب أن يتعامل معه الآخرون بهذا الأسلوب المريح، عليه أن يبادر هو بانتهاجه مع الآخرين، ليترسخ كمبدأ في العلاقات الاجتماعية، وكقيمة أخلاقية سامية. 5- الفوز برضوان الله والأمن من عقابه يوم القيامة، وذلك بالتخلص من حقوق الناس وظلاماتهم، حيث تؤكد النصوص الدينية: أن الله تعالى لا يتساهل في حقوق الناس على بعضهم البعض، كما روي عن رسول الله :«أما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة»[6] . ومثله ما ورد عن الإمام علي : «وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص هناك شديد، وليس هو جرحا بالمدى، ولا ضربا بالسياط، ولكنه ما يستصغر ذلك معه» [7] . وعن الإمام جعفر الصادق :«في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ قال: قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة»[8] . وتشير عدة أحاديث مروية عن الرسول إلى أن أصحاب المظالم والحقوق يأخذون من حسنات الإنسان يوم القيامة، حتى إذا انتهت كل حسناته توضع عليه من سيئاتهم مقابل حقوقهم عليه [9] . إن بإمكان الإنسان أن يتخلص من كثير من الظلامات عبر لحظة اعتراف، وكلمة اعتذار، فيوفر على نفسه العناء والعذاب الشديد يوم القيامة. الشيخ حسن الصفار * 9 / 9 / 2000م - 3:58 ص الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين صدور الخطأ من الإنسان أمر طبيعي ومتوقع، فما دام ليس معصوما فهو معرض للغفلة وسيطرة الشهوة وغلبة الانفعال، وتلك هي أرضية الخطأ ومنشأ حدوثه. لكن الأمر المهم هو كيفية تعامل الإنسان مع خطئه. فهل يتعهد نفسه بالمراقبة والمحاسبة، ويراجع مواقفه وتصرفاته، ليكتشف أخطاءه وعثراته؟ أم يبقى مسترسلا سادرا تتكرر أخطاؤه وتتراكم دون اهتمام منه وانتباه؟ من ناحية أخرى هل يمتلك شجاعة التراجع والاعتذار عن الخطأ؟ أم يصر عليه؟ أو يتهرّب من تحمل المسؤولية تجاهه؟ ثم إن خطأ الإنسان قد يكون تجاه نفسه، أو تجاه ربه، أو تجاه الآخرين من أبناء جنسه. وحديثنا الآن مخصص لبحث هذا القسم الأخير. اتهام الذات قبل الآخرين: حينما يحصل خلل في العلاقة بين الإنسان وآخرين، فإنه غالبا ما يتنصل من المسؤولية، ويحمّل الطرف الآخر وزر ما حدث، فهو يـبرء نفسه ويصدر حكما سريعا على الآخر بإدانته وتحميله مسؤولية الخلل. وهذا ينشأ من حب الذات، والدفاع عنها، والتعود على تبرير التصرفات والممارسات. أما التفكير بموضوعية، والتعاطي بنضج ووعي، فهو يوجه الإنسان إلى اتهام ذاته أولا، ومحاسبتها على هذا الأساس حتى يثبت العكس. وإذا أخذ الإنسان هذه الفرضية بعين الاعتبار، وحاسب نفسه وناقش تصرفاته وتعامله، فقد يكتشف بالفعل أنه كان مخطئا بحق الآخر، أو أنه شريك في الخطأ، ويتحمل نسبة معينة منه. ويربينا القرآن على هذه المنهجيـة السليمـة في قـوله تعـالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [1] . واكتشاف الخطأ هو الخطوة الأولى في طريق المعالجة والإصلاح، أما الخطوة الثانية والأهم، فهي إعلان تحمّل المسؤولية أمام الطرف الآخر، والاعتذار إليه من وقوع الخطأ تجاهه. وهو موقف بطولي لا يصدر اختيارا إلا عن ثقة وشجاعة وعدالة وإنصاف. فالإنسان الذي يحترم نفسه لا يرى الخطأ جزءا من شخصيته حتى يصعب عليه الاعتذار عنه، بل يراه غبارا ووسخا يرتاح بإزالته والتخلص منه. وتحمّل مسؤولية الخطأ مظهر رفيع لالتزام العدل وممارسة الإنصاف، حيث يكون الإنسان في جانب الآخر مقابل ذاته. وكما يقول الإمام علي : «غاية الإنصاف أن ينصف المرء من نفسه» [2] . ويقول : «ألا إنه من ينصف الناس من نفسه لم يزده الله إلا عزاً» [3] . لماذا الاعتذار؟ الاعتذار يعني الإقرار بالخطأ، وطلب العفو والصفح من الطرف الآخر. قال الجرجاني: الاعتذار: محو أثر الذنب. وقال الكَفَويّ: الاعتذار إظهار ندم على ذنب تُقرّ بأن لك في إتيانه عذرا. وقال المناوِيّ: الاعتذار: تحرّي الإنسان ما يمحو أثر ذنبه [4] . والاعتذار سلوك حضاري يدل على احترام الإنسان لنفسه، وتقديره لغيره. وينطوي على فوائد وعوائد كثيرة من أهمها: 1- الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه يشكل رادعا للإنسان عن تكراره، لأن الاقدام على هذه الخطوة يكتنفها ضغط وعناء نفسي، فليس سهلا على الإنسان أن يقف موقف الإقرار والاعتذار من الآخرين، فهو نوع من العقوبة الاختيارية يفرضها الإنسان على نفسه، مما يخلق لديه حساسية وحذرا من الوقوع في حالة مشابهة، ويجعله يعيد النظر في الأسباب والعوامل التي أوقعته في الخطأ، وذلك سبيل لإصلاح النفس ومعالجة سلبيات السلوك. بعكس ما إذا مرّ الإنسان على خطئه مرور الكرام، ولم يشعر بأي مضاعفات أو نتائج مؤذية، فقد يستهين بالأخطاء حينئذ، ويستسهل ارتكابها. 2- وهو محاولة لإصلاح الخلل الذي أحدثه الخطأ، وتدارك مضاعفاته على الآخرين، كما يشكل نوعا من إعادة الاعتبار لمن وقعت عليه الإساءة، وأداء لحقه. يقول الإمام علي :«حسن الاعتراف يهدم الاقتراف»[5] . 3- والاعتذار ينـزع فتيل الغضب من نفس الطرف الآخر، ويطفئ نار العداوة، ويحتوي الأزمة والتشنج. إن أكثر النزاعات والخصومات المترتبة على تصرفات خاطئة يمكن حلها وتجاوزها عن طريق كلمة اعتذار رقيقة، تشيع في نفس الطرف الآخر الرضا، وتشعره بإعادة الاعتبار. 4- ولا يسود هذا الخلق الحضاري الرفيع إلا عبر المبادرة لممارسته من قبل الواعين الناضجين، إن التزام أي فرد به وخاصة إذا كان في موقعية مرموقة، يشجع الآخرين من حوله على التخلق به، فإذا رأى الأبناء شجاعة أبيهم في الاعتذار إليهم عن زلل صدر منه تجاههم، فإنهم سيقتدون به في تعاملهم مع الآخرين، وإذا لاحظ العاملون في أي مؤسسة ان كبار الموظفين يتحملون مسئوليتهم تجاه الأخطاء ويعتذرون عنها، فإنهم سيسيرون على نفس النهج، وهكذا بالنسبة لسائر الموقعيات والمناصب القيادية في المجتمع. إن كل من يتمنى ويرغب أن يتعامل معه الآخرون بهذا الأسلوب المريح، عليه أن يبادر هو بانتهاجه مع الآخرين، ليترسخ كمبدأ في العلاقات الاجتماعية، وكقيمة أخلاقية سامية. 5- الفوز برضوان الله والأمن من عقابه يوم القيامة، وذلك بالتخلص من حقوق الناس وظلاماتهم، حيث تؤكد النصوص الدينية: أن الله تعالى لا يتساهل في حقوق الناس على بعضهم البعض، كما روي عن رسول الله : «أما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص لا محالة» [6] . ومثله ما ورد عن الإمام علي : «وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضا، القصاص هناك شديد، وليس هو جرحا بالمدى، ولا ضربا بالسياط، ولكنه ما يستصغر ذلك معه» [7] . وعن الإمام جعفر الصادق : «في قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ قال: قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة» [8] . وتشير عدة أحاديث مروية عن الرسول إلى أن أصحاب المظالم والحقوق يأخذون من حسنات الإنسان يوم القيامة، حتى إذا انتهت كل حسناته توضع عليه من سيئاتهم مقابل حقوقهم عليه [9] . إن بإمكان الإنسان أن يتخلص من كثير من الظلامات عبر لحظة اعتراف، وكلمة اعتذار، فيوفر على نفسه العناء والعذاب الشديد يوم القيامة. خلفيات الامتناع : لماذا يصعب على الكثيرين من الناس تدارك أخطائهم بتقديم الاعتذار إلى المتضررين؟ ولماذا التردد والامتناع عن انتهاج هذا المسلك الحضاري؟ يبدو أن هناك خلفيات نفسية وثقافية واجتماعية يمكن اعتبارها عوائق وموانع من انتشار هذا الخلق الكريم. أولا : التفكير والتصور الخاطئ بأن الاعتذار عن الخطأ تشكل حالة ضعف وهزيمة لشخصية الإنسان، وفي الحقيقة قد يكون ذلك صحيحا لأول وهلة، وفي الظاهر، لكن واقع الأمر، إنه يكشف عن ثقة بالنفس، وشجاعة في الموقف، وهو ينتشل الإنسان من موقع الضعف الذي انحدر إليه بخطئه، إلى موقع القوة الذي يرتقيه باعتذاره، وبالتالي فإنه كسب وانتصار للإنسان على المدى البعيد. ثانيا : التعصب للذات بتبرير أخطائها والدفاع عنها حتى في الزلات والعثرات، وذلك ما يعبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد﴾ [10] . إنه لا يعترف على نفسه بالخطأ، ولا يقبل لذاته أن يكون في موضع الإقرار و الاعتذار، إنه المحق دائما و أبدا، والمصيب في كل مواقفه و تصرفاته، و إن كان في أعماق نفسه مدركا لباطله و انحرافه، لكن العزة الآثمة ، والعصبية الجاهلية لا تسمح له بالتراجع و التدارك. ثالثا: التعالي والشعور بالرفعة والتفوق: وخاصة إذا ما أخطأ الإنسان تجاه من يعتقد أنهم أقل منه شأنا ومكانة، فإنه يأنف ويستثقل طلب المعذرة منهم. وفي الواقع فإن جوهر الأخلاق الفاضلة، وحقيقة النبل والسمو، إنما تتجلى في مثل هذه المواقف، إذ ليس فخرا كبيرا أن يعتذر الإنسان لمن هم أقوى منه، وأرفع شأنا ومنزلة، فقد تكون الظروف تفرض عليه ذلك، أو تدفعه بهذا الاتجاه، لكن الفضل والمجد هو في حسن التعامل مع الضعفاء، وأداء حقوقهم، والتزام مكارم الأخلاق تجاههم. رابعا: الثقافة العامة والأجواء الاجتماعية: حيث قد تسود المجتمع ثقافة التفاخر والتباهي، وأجواء العصبية والمزايدات، مما يجعل الأفراد منساقين ضمن هذا التيار العام. تماما كما نقرأ في تاريخ العرب قبل الإسلام، وكيف كانت تحكمهم العصبيات القبلية، ومشاعر الاعتزاز والفخر تجاه بعضهم البعض، وكانوا يمارسون مبدأ (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) بمعناه الحرفي، ويستجيبون لمبالغات شعرائهم التي كانت تملأ نفوسهم بالزهو، وتزين لهم مواقف التصلب والتعالي على الآخرين. فهذا أحدهم يقول عن قبيلته: وننكر إن شئنا على الناس قولهم *** ولا ينكرون القول حين نقول ويقول آخر: وإنا أناس لا توسـط بيننـــا *** لنا الصدر دون العالمين أو القبر ويقول ثالث: ألا لا يجهلن أحــد علينـــا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينـا إذا بلغ الفطام لنــا صـــبي *** تخر له الجبابـر ساجدينــا ولا تزال رواسب هذه الثقافة الجاهلية، وروح التعالي والتعصب، تلعب دورها في نفوس أبناء الأمة العربية إلى اليوم. وإلا فكيف تفسر خطابات رئيس النظام العراقي صدام، ومقولات وسائل إعلامه؟ إنه يتحدث عن تفوق العراق، وعن سحق قوى الاستكبار، وعن أم المعارك، وأعظم الانتصارات التاريخية، بينما يعيش نظامه في أسوأ عزلة، ويرزح شعبه تحت أبشع حصار. ومع كل المآسي التي أوقعها بالعراق والأمة العربية والإسلامية، عبر حربيه الظالمتين ضد إيران واحتلال الكويت، فإنه يرفض الاعتذار عن خطئه، ويكرر مقولاته الشريرة!! كما تتمظهر رواسب الثقافة الجاهلية في مجتمعاتنا بأشكال متعددة ومختلفة، على مستوى الأفراد والتجمعات والمجتمعات. قبول الاعتذار : أن يقدم المخطئ اعتذاره، تلك خطوة رئيسية هامة لتجاوز الخصام و تحقيق الوئام، لكنها يجب أن تقابل بخطوة إيجابية من الطرف الآخر، وهي قبول الاعتذار والصفح عن الإساءة، لتكون ثمرة الإصلاح والود يانعة ناضجة. ولماذا لا يقبل الإنسان عذر الآخرين، و هو معرض لأن يصدر منه ما صدر منهم؟ وأي عقوبة يريد إيقاعها بالطرف الآخر أشد من هذه العقوبة المعنوية، حيث أقر له بالذنب، و اعترف تجاهه بالحق، وتقدم إليه بطلب المعذرة والصفح؟ ثم أي كسب يسعى لنيله أكبر من هذا الكسب الاجتماعي، إذ أصبح في موقع المرتجى والملتمس منه، واتضحت أحقيته أمام الناس؟ يقول الشاعر : ولعمري لقد أجـلك من جـاء *** مقرا بذلــة الاعــــتراف إنه إذا تنكر لكل ذلك و أصر على رفض الاعتذار، فقد تتأثر موقعيته عند الله وفي أعين الناس، ويتحول من مركز القوة إلى موقع الضعف، ويتوجه إليه اللوم والإدانة لتصلبه وشدته. روي عن رسول الله أنه قال: «من اعتذر إليه أخوه المسلم من ذنب قد أتاه فلم يقبل منه لم يرد عليّ الحوض غداً»[11] . وفي حديث آخر عنه : «من لم يقبل العذر من متنصّل صادقاً كان أو كاذباً لم ينل شفاعتي»[12] . ويقول الإمام علي :«أعقل الناس أعذرهم للناس»[13] . ويقول : «اقبل اعتذار الناس تستمتع بإخائهم» [14] . وورد عن الإمام علي ابن الحسين زين العابدين أنه قال: «ان شتمك رجل عن يمينك ثم تحوّل إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره»[15] . ويقول الشاعر: إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه *** وكان الذي لا يقبل العذر جانيا أخلاقيات التحضر في الأمم المتحضرة و العالم المتقدم، يسود هذا الخلق الحضاري، و على أعلى المستويات، لأن الأجواء العامة لديهم من سياسية وإعلامية وثقافية تدفع بهذا الاتجاه. فإذا ما حصل خلل أو خطأ في أداء أي مؤسسة أو جهاز فإن صاحب القرار فيها يعلن تحمله للمسؤولية، ويقدم اعتذاره، و قد يستقيل من منصبه. ففي كوريا الجنوبية مثلا أدى تصادم قطار مع حافلة إلى وفاة عدد من الركاب، قبل فترة، فأعلن وزير المواصلات اعتذاره عن الحادث، وقدم استقالته. وقبل أيام حينما فشلت القوات الإسرائيلية في اعتقال المجاهد محمود أبو هنود أحد القادة العسكريين لحركة حماس، وتسبب ذلك في مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين، فإن رئيس القوة البرية الإسرائيلية أعلن تحمله لكامل المسؤولية واستقال من منصبه. بالطبع إن اليهود يلتزمون بهذه الأخلاقيات مع بعضهم البعض، أما في تعاملهم مع الآخرين، فمحكوم بعنصريتهم وعدوانيتهم البشعة. وعلى مستوى الدول والأمم فقد أعلنت اليابان في العام الماضي اعتذارها عن الفظائع التي ارتكبها جنودها ضد كوريا وتايلاند والصين إبان الحرب. كما قدمت ألمانيا الاتحادية عدة مرات اعتذارات رسمية للعديد من الدول الأوروبية ولليهود عن جرائم النازيين. وقدم الرئيس الأندونيسي عبدالرحمن وحيد اعتذاره عن العنف الذي مارسته القوات الأندونيسية ضد سكان تيمور الشرقية طيلة 24 عاماً من الاحتلال. وحتى رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا بولس الثاني أعلن اعتذاره في العام المنصرم عن الكنيسة والتجاوزات التي ارتكبها المسيحيون تجاه الأمم الأخرى، و في خلافاتهم الداخلية. صور ونماذج: ونجد في تاريخنا الإسلامي وسير العلماء والأولياء صورا مضيئة، ونماذج مشرقة للالتزام بهذا الخلق الكريم، فقد بعث رسول الله احد القادة العسكريين من أصحابه، وهو خالد بن الوليد، في السنة الثامنة للهجرة بعد فتح مكة على رأس فرقة من الجيش صوب احدى القبائل للدعوة إلى الإسلام، ولم يأمره بقتالهم، بعثه داعيا ولم يبعثه مقاتلا لكنه أساء التصرف، وارتكب خطأً كبيراً بقتلهم وسلبهم. قال ابن الأثير: فلما انتهى الخبر إلى النبي ، رفع يديه إلى السماء ثم قال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد!». ثم أرسل عليا ومعه مال وأمره أن ينظر في أمرهم، فودى لهم الدماء والأموال حتى إنه ليدي ميلغة الكلب، وبقي معه من المال فضلة، فقال لهم علي:«هل بقي لكم مال أو دم لم يودّ؟» قالوا: لا، قال: «فإني أعطيكم هذه البقيّة احتياطا لرسول الله (ص»، ففعل. ثم رجع إلى رسول الله فأخبره، فقال:« أصبت وأحسنت». [16] .وفي رواية قال لعلي :« أعطيتهم ليرضوا عني رضي الله عنك»[17] . وجاء في سيرة الإمام السيد محمد حسن الشيرازي المعروف بالمجدد (1230هـ- 1312هـ) والذي كان المرجع الديني والزعيم البارز أنه في درسه العلمي، طرح مسألة ذات يوم فأشكل عليه تلميذه الشيخ محمد كاظم الخرساني صاحب كفاية الأصول، ودار بينهما نقاش سكت التلميذ في نهايته، وفي اليوم التالي بدأ الميرزا الشيرازي درسه بالاعتذار من تلميذه والاقرار بأن الحق في المسألة كان معه. ودار نقاش مرة بين عالمين أحدهما يدعى الملا خليل القزويني والآخر الفيض محسن الكاشاني المعروف، واحتدم بينهما الجدال، وكان القزويني حادا في نقاشه وردوده، وانتهى الجدال دون نتيجة، وذهب الشيخ القزويني إلى بلده قزوين، وبحث المسألة أكثر وراجع نفسه، وتبين له أنه كان مخطئا في رأيه وموقفه، فبادر للسفر إلى كاشان منتصف الليل وطرق باب الشيخ محسن الكاشاني عند الفجر، وحينما سأل الشيخ محسن من الطارق؟ قال الملا خليل: يا محسن قد أتاك المسيء، ثم اعتذر إليه واعترف له بالحق فيما دار بينهما من نقاش. فقال له الفيض: ولماذا كلّفت نفسك عناء السفر في هذا الوقت؟ فأجاب: ما دمت اكتشفت خطأي فإن ضميري لا يرتاح ونفسي لا تستقر قبل أن أقر لك بالخطأ وأتقدم إليك بالاعتذار. وكان عندنا في القطيف عالم فاضل هو الشيخ فرج العمران (1321هـ- 1398هـ) رحمه الله، والذي كان من سجاياه الطيبة أنه حينما يختلف مع أحد في مسأله علمية دينية، ثم يتبين له خطأ رأيه وصواب رأي الطرف الآخر، فإنه يبادر إلى إعلان اعترافه واقراره، أمام الطرف الآخر، بل ويسجل ذلك في مذكراته التي كان يطبع أجزاءها في حياته تحت عنوان )الازهار الأرجية في الآثار الفرجية(.ومن شواهد ذلك رسالة كتبها للشيخ علي بن يحيى رحمه الله على أثر نقاش بينهما في مسألة علمية ثم ظهر له صحة رأي الشيخ بن يحيى، وأثبت الرسالة في الجزء الحادي عشر من (الأزهار الأرجية) ص247. كما ذكر في الجزء العاشر ص190 نقاشا بينه وين الشيخ الميرزا محسن الفضلي رحمه الله حول مسألة فقهية، وأن الصواب كان مع الشيخ الفضلي، كما تبين له فيما بعد. إننا بحاجة إلى ممارسة هذا الخلق الحضاري في تعاملنا مع أبنائنا وعوائلنا، وفي تعاطينا مع المحيطين بنا، من زملاء عمل وأصدقاء، وأشخاص يعملون تحت إدارتنا ومسئوليتنا. وكبار المجتمع وزعاماته وشخصياته أولى وأجدر بالتحلي بهذا الخلق الرفيع، ليكونوا قدوات لبقية الناس وسائر المواطنين . اللهم أعنا على أنفسنا كما أعنت الصالحين على أنفسهم ولا تسلب منا صالح ما أعطيتنا يا أرحم الراحمين.

ليست هناك تعليقات:

قران كريم