الثلاثاء، 7 يناير 2014

هل يحب الفريق السيسى الشّعر؟! هل نوافق على الدستور؟! هل يتم محاكمة شباب الثورة بعلم الفريق السيسى

شارك برايك يهمنا Feedback Feedback mhassanabo@gmail.com maboeleneen@yahoo.com هل يحب الفريق السيسى الشّعر؟! علاء الأسواني «أحس بحبك كحقل صغير يكبر فىّ.. وتنبت أوراقه حول حزنى تظلله من هجير الجراح وأن أصبعى اشتبكت فى أصابع كفك.. تنمو الجذور وتمسك حقلى لئلا تبعثره دمدمات السيول وعصف الرياح أحس بحبك يكبر فى داخلى كالجنين.. ويخبط روحى بكفيه لهوا ويملؤنى بالصياح ولكننى خائف واثق أن هذا الزمان عدو لقلبى.. سأجلس ذات مساء أفكر فيك وبين ذراعى طفلى غفا واستراح أفكر كيف يجىء ربيع ولا يتجاور قلبى وقلبك تفاحتين.. بغصن سعيد تجلى على الأرض عطرا وفاح أرى فى البعيد شتاء أنا وحفيدى نسير معا فيفاجئنا مطر فأحدثه دونما سبب عنك.. أسمع صوتك من حولنا رفة من جناح أرى كل شىء يمر أمامى أشاهد حلما جرى واختفى كالسناجب بين غصونى.. وأحكى له يا بنى لقد كان خطوا بديعا مشى بشوارع قلبى سريعا وراح. أحس بحبك يرمى بحلم بعيدا فأركض أحضره ثم أركض أحضره بين سؤالين.. كيف سيظلم قبر عليك بدونى؟.. وكيف سأحيا- وحيدا- صباحا جميلا كهذا الصباح؟». هذه القصيدة لو نسبتها إلى أحد كبار الشعراء العرب لما شك أحد فى نسبتها إليه، فهى بالغة العذوبة، حافلة بالصور الجميلة، تنم عن موهبة أصيلة وتمكن من أدوات الشعر، لكن الحقيقة أن صاحب القصيدة شاب سكندرى فى العشرينيات من عمره اسمه عمر حاذق. تعرفت إليه من سنوات وأعجبت بموهبته وقدمته فى ندوتى الأدبية وانعقدت بيننا أواصر الصداقة فعرفته شابا مثقفا رقيقا يتمتع بحس أخلاقى رفيع وشجاعة فى الدفاع عن الحق طالما جرّت عليه المشاكل. بالرغم من الفساد الذى يعشش فى مؤسسات الثقافة الرسمية إلا أن عمر حاذق استطاع بموهبته وحدها أن ينال التقدير المستحق، فتوالت شهادات كبار النقاد تشيد بموهبته حتى أصبح من أبرز الأصوات بين شعراء جيله، وبالرغم من صعوبة ترجمة الشعر إلا أن عمر حاذق استطاع بقصائده الجميلة أن ينال تقديرا عالميا، ففاز بالجائزة الأولى للشعر فى مهرجان الحب والعدل والسلام فى إيطاليا، ثم أصدر ديوانا مشتركا بعنوان «فضاءات الحرية» مع الشاعر البرتغالى تياجو باتريشيو والشاعر الإيطالى نيكى داتوما. لو كان عمر حاذق شاعرا فرنسيا أو إنجليزيا لاهتمت به بلاده ولتكاتفت أجهزة الدولة جميعا لكى ترعى موهبته، إذ إن الفنان فى نظر الدول المحترمة ثروة قومية يتم الحفاظ عليها بكل السبل، لكن عمر حاذق مصرى وفى مصر تتركز الأضواء على الطبالين والزمارين وتوزع المناصب على الخدم والشماشرجية، فلا يتبقى فى النهاية مكان لأصحاب الموهبة والكفاءة. اشترك عمر حاذق فى الثورة المصرية ووقف فى يناير 2011 فى مواجهة رصاص الشرطة وحمل على كتفه الشهداء والمصابين، ثم استأنف نضاله ضد الفاشية الدينية فاشترك فى 30 يونيو، التى أزاحت الإخوان عن الحكم. كما خاض حاذق معركة عنيفة ضد الفساد الإدارى فى مكتبة الإسكندرية، حيث يعمل موظفا، فتم التنكيل به وطرده من عمله، ثم عاد إلى وظيفته تحت ضغط من زملائه على إدارة المكتبة، وقام إسماعيل سراج الدين (مدير المكتبة، وأحد خلصاء سوزان مبارك) بإحالة عمر حاذق إلى المحاكمة بتهمة القذف والسب فى حقه، لكن القضاء النزيه قضى ببراءته. ما الذى يدفع شاعرا موهوبا إلى خوض هذه المعارك، ولماذا لا يتجاهل الظلم والفساد حوله ويعكف على نظم قصائده ليستمر فى إحراز النجاح وحصد الجوائز؟! الإجابة أن الفن فى جوهره دفاع عن العدل والحرية، فلا يمكن للفنان أن يدافع عن القيم الإنسانية النبيلة فى أعماله الفنية ثم يسكت عندما تنتهك هذه القيم أمام عينيه، وقد عرف تاريخ الفن مئات المبدعين الذين ناضلوا من أجل العدل والحرية ودفعوا ثمنا باهظا لمواقفهم. اليوم يدفع عمر حاذق ثمنا لموقف نبيل اتخذه. فى يوم 2 ديسمبر الماضى عُقدت فى الإسكندرية جلسة لمحاكمة قتلة خالد سعيد، شهيد إجرام نظام مبارك وأيقونة الثورة، ووقف عدد من شباب الثورة أمام المحكمة يحملون لافتات تطالب بالقصاص من قتلة خالد سعيد. فجأة راح ضابط يضرب أحد المتظاهرين بوحشية فحاول زميل له أن يدافع عنه، فما كان من الضابط إلا أن قبض على الاثنين وهنا تقدم عمر حاذق من الضابط وسأله: - ماذا فعل زملائى لتضربهم وتقبض عليهم؟ اعتبر الضابط هذا السؤال انتقاصا من هيبته التى لا تتحقق، فى اعتقاده، إلا بإذلال المواطنين، فقبض على عمر حاذق وتمت إحالته إلى نيابة أمن الدولة بالتهم الآتية: «تخريب المنشآت، وتحطيم سيارات الشرطة، والاعتداء على الجنود والضباط، وإتلاف الممتلكات العامة، ومقاومة السلطات، والتظاهر دون ترخيص، وتكدير الأمن العام». هذه الباقة من التهم الجاهزة- كما يعرف كل مصرى- يتم تلفيقها عادة لكل من يغضب عليه ضابط الشرطة. وكل من يرى جسد عمر حاذق النحيل لا يمكن أن يصدق أنه تحول بقدرة قادر إلى مارد عملاق بمقدوره أن يضرب عشرات الضباط والجنود بيد ويحطم سيارات الشرطة والمنشآت جميعا بيده الأخرى. يبدو أن السلطة اعتبرت عمر حاذق مجرما خطيرا فتم تقديمه مع زملائه إلى محاكمة عاجلة قضت بحبس كل منهم عامين وكفالة خمسين ألف جنيه.. أحكام القضاء بالطبع لها كل الاحترام ولا تعليق عليها، لكن حبس الشاعر الموهوب عمر حاذق يأتى فى سياق حملة منظمة ضد شباب الثورة، ويتضح الآن أن قانون التظاهر قد تم إصداره لكى تتمكن السلطة الانتقالية من قمع شباب الثورة وإخراسهم حتى يتعلموا أن عهد الاعتراض قد ولى بغير رجعة وعليهم أن يتقبلوا كل ما تقرره السلطة وإلا فإن السجن فى انتظارهم. حملة القمع باستعمال قانون التظاهر تتزامن مع حملة إعلامية مسعورة تقف وراءها جهات أمنية من أجل تشويه سمعة الشباب الثورى واتهامهم بالعمالة دون دليل واحد ودون تحقيق واحد، ولا أعرف كيف يحترم نفسه من يزعم أنه إعلامى وهو يذيع فى التليفزيون مكالمات شخصية أعطاها له ضابط أمن الدولة الذى يتولى تشغيله. إذا كان هناك اتهام جدى ضد أى مواطن فإن النيابة العامة تعطى الإذن بتسجيل مكالماته لتقديمها كدليل إدانة أمام القاضى وفى غير هذه الحالة فإن التنصت على أسرار الناس (فضلا عن إذاعتها فى التليفزيون) عمل غير أخلاقى ومجموعة جرائم يعاقب عليها القانون، لكن فلول نظام مبارك لا يهمهم قانون ولا أخلاق وإنما تحركهم شهوة الانتقام من ثورة يناير التى وضعت كبيرهم مبارك فى السجن، وهم يخططون من أجل استعادة السلطة التى أزاحتهم الثورة عنها، ولذلك فهم يجتهدون فى تشويه الثوريين وقمعهم. على أن حساباتهم خائبة وساذجة، فالذى صنع الثورة ليس عمر حاذق ولا حسن مصطفى ولا علاء عبدالفتاح ولا منى سيف ولا أحمد دومة، وإنما ملايين المصريين الذين واجهوا مبارك فى يناير 2011 وأجبروه على التنحى، ثم فرضوا محاكمته وسجنه.. لا أمل إذن فى تشويه الثورة لأن ملايين المصريين الذين صنعوها يذكرون جيدا ما اقترفه نظام مبارك من جرائم لم يحاسب أحد عليها حتى الآن. المؤسف أن التنكيل بشباب الثورة يتم فى وقت ننادى فيه بتناسى الخلافات السياسية لنقف جميعا صفا واحدا مع الجيش والشرطة ضد إرهاب الإخوان. واجبنا جميعا أن ندعم الدولة فى حربها ضد الإرهاب، ولكن للأسف فإن قطاعات من السلطة الحالية تمارس القمع والتشهير ضد أنبل من فى مصر. إن شباب الثورة هم الذين نزلوا فى يناير وتخلصوا من مبارك، ثم نزلوا فى 30 يونيو وتخلصوا من حكم الإخوان، هؤلاء الشبان الذين يتعرضون للتنكيل والتشويه الآن لم ينحنوا كالخدم أمام الهانم سوزان مبارك، ولم يشيدوا بعبقرية جمال مبارك، ولم يزينوا له وراثة حكم مصر وكأنها عزبة أبيه، كما فعل أصحاب الوجوه الكريهة المنافقة الذين عادوا للأسف ليتصدروا المشهد. كيف نقنع العالم أننا نقيم دولة ديمقراطية بينما الشاعر عمر حاذق يتم إلقاؤه فى السجن عامين كاملين لمجرد أنه تجرأ على سؤال الضابط: - لماذا تضرب زملائى وتقبض عليهم؟! أنا لا أخاطب هنا حازم الببلاوى أو حسام عيسى أو مصطفى حجازى أو زياد بهاء الدين أو سكينة فؤاد. هؤلاء جميعا أعرف إخلاصهم للثورة ونضالهم من أجل إرساء دولة القانون، لكن الواضح أن ثمة قرارات تفرض عليهم فلا يستطيعون رفضها. الأجدى أن أخاطب من عين هذه الحكومة واختار أعضاءها. الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى سيظل المسؤول الأول عن كل ما يحدث فى مصر حتى يتولى السلطة رئيس منتخب وحكومة منتخبة: يا سيادة الفريق هل من العدل أن يتم التنكيل بشباب الثورة الذين واجهوا الموت من أجل أن تكون مصر دولة محترمة؟! هل من المقبول الخوض فى الأعراض وتشويه سمعة الناس فى التليفزيون بغير محاكمة أو تحقيق؟! هل هذا جزاء من استجاب لندائك ونزل مع الملايين ليفوضوك فى معركتنا ضد الإرهاب؟! لقد نزلنا نحن المصريين فى 30 يونيو وتخلصنا من حكم الإخوان لنبنى الدولة الديمقراطية التى قامت من أجلها الثورة، لكننا قطعا لم ننزل من أجل استعادة دولة مبارك القمعية.. سيادة الفريق السيسى أرجو أن تقرأ قصيدة عمر حاذق، ثم تذكر أن صاحب هذه القصيدة محبوس الآن مع المجرمين والقتلة لمجرد أنه تجرأ ووجه سؤالا واحدا لضابط. فى عام 1968 اندلعت الاحتجاجات الطلابية فى فرنسا ضد الرئيس شارل ديجول، وكان الكاتب الفرنسى الكبير جون بول سارتر يحرض الطلاب ويوزع بنفسه المنشورات ضد النظام، عندئذ اقترح وزير الداخلية الفرنسى على الرئيس ديجول أن يتم اعتقال سارتر لفترة قصيرة حتى تتم السيطرة على الأوضاع.. عندئذ رد ديجول قائلا بغضب: - «يستحيل أن أعتقل كاتبا بسبب آرائه، فرنسا يستحيل أن تعتقل فولتير...». هل يحب الفريق السيسى الشعر؟ إذا كان يحب الشعر فهو بالتأكيد سينحاز إلى الحرية ويدافع عنها، وسيدرك بالتأكيد أن المصريين قاموا بالثورة حتى تتم معاملتهم باحترام، فلا يعتدى ضابط عليهم ولا يلفق لهم التهم ولا يقمعهم. إذا كان الفريق السيسى يحب الشعر فلن يسمح لفلول نظام مبارك الفاسدين بالعودة للسلطة، ولن يسمح بقمع الأبرياء، ولن يسمح بإهدار كرامة مصرى واحد، وسوف يعمل على إقامة دولة القانون التى يتمتع فى ظلها المصريون بحقوقهم الإنسانية. هل يحب الفريق السيسى الشعر؟ الأيام القادمة ستكشف عن الإجابة. نحن كشعب حبينا الفريق السيسى ولكننا ننبذ اى ارهاب للثوار لا يجب ان يرجع عصر مبارك هل نوافق على الدستور؟! علاء الأسواني افترض أنك انتقلت إلى منزل جديد ووجدت فى نفس الدور الذى تسكنه جاراً شقته فى مواجهة شقتك، ثم سرعان ما اكتشفت أن جارك هذا شخص لا يطاق، فهو يرفض باستمرار أن يدفع إيصالات الكهرباء الخاصة بالمصعد وإضاءة العمارة، وهو يلقى بقمامته أمام شقتك ليتهرب من دفع أتعاب الزبال، وهو يتسبب بإهماله فى نشع المياه من حمامه على جدران شقتك، ثم يرفض إصلاح المواسير داخل شقته إلا لو كان الإصلاح على حسابك أنت. باختصار فإن هذا الجار يعتدى على حقوقك باستمرار فماذا تفعل؟! طبعاً ستحاول أن تحل المشكلة بالحسنى، لكن الجار المزعج يتمادى فى الاعتداء على حقوقك فلا يكون أمامك عندئذ إلا اللجوء للقانون. ستحرر محاضر فى قسم الشرطة بكل المخالفات التى يفعلها جارك، وستتحول المحاضر إلى قضايا تنظرها المحاكم.. افترض بعد ذلك أن حريقاً قد شب فى الدور الذى تسكنه مع جارك وراحت ألسنة اللهب تتصاعد لتهدد المبنى كله. سوف تهرع بالطبع لإطفاء الحريق، وهنا ستفاجأ بأن جارك الذى هو خصمك اللدود قد خرج إليك ليساعدك فى إطفاء الحريق.. ماذا تفعل عندئذ؟! أمامك طريقتان للتصرف: إما أن تقول لنفسك هذا الجار خصم لى وقد اعتدى على حقوقى وبالتالى لن أتعاون معه ولن أضع يدى فى يده أبدا حتى ولو كان ذلك من أجل إطفاء حريق يتهددنا جميعا.. أو تفكر بطريقة أخرى، فتقول لنفسك صحيح أن لدى مشكلة مع جارى، لكن خطر الحريق أكبر من هذه المشكلة، فلابد أن أؤجل مشكلتى مع خصمى وأتعاون معه حتى نطفئ الحريق، لأن هذا الحريق لو استمر سيدمر البيت كله بما فيه شقتى وشقة جارى وشقق السكان جميعا، وعندئذ لن يكون لدى ما أتنازع عليه مع جارى أساسا. طريقة التفكير الأولى، التى ترفض التعاون مع الجار الخصم لإطفاء حريق، تحمل- فى رأيى- الكثير من ضيق الأفق والتعصب وسوء التقدير، وهى لابد أن تنتهى بكارثة. أما طريقة التفكير الثانية، التى تعتبر الخصومة مع الجار تناقضاً ثانوياً وتعتبر التناقض الأساسى هو الحريق الذى يهدد المبنى كله، فهى الأنضج والأكثر موضوعية، لأنها تتخذ الموقف المناسب طبقا للظروف الواقعية.. ما علاقة هذه الحكاية بما يحدث فى مصر؟! لقد ثار الشعب المصرى بكل طوائفه ضد حكم الإخوان فى يوم 30 يونيو، ثم انضم الجيش إلى الشعب ونفذ إرادته فى عزل محمد مرسى ورسم خارطة طريق للانتقال الديمقراطى، أعدت بموجبها لجنة الخمسين مشروعاً للدستور وطرحته للاستفتاء العام. لقد قرأت مسودة الدستور فوجدته فعلاً من أفضل الدساتير التى شهدتها فى مصر فى مجالات المواطنة ومكافحة التمييز والحريات العامة وحقوق الأقليات والمرأة والطفل والمعاقين، كما أنه يقلص من صلاحيات رئيس الجمهورية ويجعل قراراته تحت رقابة مجلس النواب، الذى يمثل إرادة الشعب. هذا الدستور بحق يضع مصر على بداية النظام الديمقراطى باستثناء مادتين سيئتين. المادة التى تلزم رئيس الجمهورية بأخذ موافقة قيادات الجيش قبل تعيين وزير الدفاع. هذه المادة تتناقض مع النظام الديمقراطى، حيث الأصل أن الرئيس المنتخب من الشعب يملك سلطة تعيين وزير الدفاع وعزله بدون أخذ موافقة أى جهة كانت. على أن هذه المادة برغم عوارها من الممكن قبولها، أولاً لأنها مؤقتة ستسقط تلقائياً بعد ثمانى سنوات، كما أن واضعى الدستور أخذوا فى اعتبارهم الظروف الاستثنائية التى تمر بها مصر، وأرادوا أن يحافظوا على استقرار الجيش المصرى، وهو الجيش العربى الوحيد الذى خرج سالماً من تقلبات الثورات العربية. على أن هناك مادة أخرى لا تتسق إطلاقاً مع النظام الديمقراطى، ولا يمكن قبولها بأى حال، وهى تلك التى تسمح بمحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية فى حالات معينة حددها الدستور. إن النظم الديمقراطية لا تعرف المحاكمات العسكرية للمدنيين تحت أى ظرف من الظروف، فالقضاء العسكرى غير مستقل، حيث يتولاه قضاة هم فى الواقع ضباط لهم رتب عسكرية ولهم رؤساء لا يستطيعون تجاهل أوامرهم، كما أن القائد الأعلى للقوات المسلحة من حقه- طبقاً للقانون العسكرى- إصدار العفو عن أى متهم أو إعادة محاكمته، مما يجعل مصير المتهم المدنى معلقاً فى يد قائد الجيش بغض النظر عن إدانته أو براءته. طبقا لمعايير العدالة الدولية، فإن القضاء العسكرى يفتقر للضمانات القانونية التى تضمن محاكمة عادلة للمتهمين المدنيين.. فى نوفمبر 1954، لأول مرة فى تاريخ مصر، أحال الزعيم عبدالناصر متهمين مدنيين إلى المحاكم العسكرية فى أعقاب محاولة اغتياله الشهيرة فى المنشية بالإسكندرية، ومنذ ذلك التاريخ لم يكن القضاء العسكرى أداة لتحقيق العدالة للمدنيين، وإنما كان غالباً أداة للبطش بكل من تريد السلطة الانتقام منهم أو إسكات أصواتهم المعارضة لسياساتها. إن تحديد حالات معينة لإحالة المدنيين للمحاكم العسكرية لن يكون له أثر كبير فى كبح جماح المحاكمات العسكرية، فالتهم المطاطة تتسع دائما للجميع، وأى مقال ينشر لا يعجب المؤسسة العسكرية من الممكن اعتباره تشويهاً لسمعة القوات المسلحة وتقديم كاتبه لمحاكمة عسكرية. لقد كانت تجربتنا مع القضاء العسكرى مؤسفة فى فترة حكم المجلس العسكرى السابق، فتمت إحالة آلاف المدنيين إلى محاكمات عسكرية تفتقر إلى أبسط قواعد العدالة. لقد وثقت مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية» شهادات مئات المتظاهرين السلميين الذين تم القبض عليهم بواسطة الشرطة العسكرية واقتيادهم إلى مبنى القضاء العسكرى، حيث وجدوا هناك زجاجات مولوتوف تم اتهامهم بأنهم استعملوها فى الاعتداء على الأفراد والمنشآت العسكرية، وصدرت ضدهم أحكام بالسجن سنوات بعد محاكمات سريعة لم تتجاوز مدتها أياماً قليلة، لم يمكنوا خلالها من الدفاع عن أنفسهم بطريقة عادلة وقانونية. قد يتساءل البعض: وماذا نفعل مع الجماعات الإرهابية التى تهاجم منشآت الجيش؟! هناك إجابة واحدة: إذا كنا نعيش فى دولة القانون بحق فإن كل من ارتكب جريمة (مهما كانت بشاعتها) يجب تقديمه لمحاكمة عادلة، وشروط هذه المحاكمة العادلة لا تتوفر فى القضاء العسكرى. إن الحرب على الإرهاب لا يجب أن تكون سبباً لحرمان المتهم من قاضيه الطبيعى، كما أن القضاء المدنى يستطيع دائما أن ينزل بالمتهمين أشد العقوبات التى تصل إلى الإعدام شنقاً، لكن ذلك يكون بعد محاكمة حقيقية تتوفر فيها ضمانات العدالة. لا يمكن أن نقدم المدنيين إلى محاكم عسكرية ثم نطلب من العالم أن يصدقنا عندما نؤكد أن مصر دولة ديمقراطية. ستظل المحاكمات العسكرية للمدنيين بمثابة هراوة غليظة فى يد السلطة تستطيع أن تهوى بها على رأس من تشاء وقتما تشاء. إن مخاوف المصريين من عودة دولة مبارك مفهومة ومشروعة. إن الحكومة الحالية انتقالية وغير منتخبة من الشعب، وبالتالى لا يحق لها إصدار القوانين، ومع ذلك فقد أصدرت قانوناً للتظاهر يقيد الحريات ويمنح سلطة منع المظاهرات لضباط وزارة الداخلية على عكس قوانين التظاهر فى الدول الديمقراطية التى لا تمنع فيها المظاهرات إلا بأمر المحكمة. بالإضافة إلى ذلك عادت وزارة الداخلية إلى ممارساتها القمعية، ورأينا كيف انقض الضباط على المتظاهرين السلميين أمام مجلس الشورى وضربوهم وسحلوهم، ثم قدموهم للمحاكمة، بينما لم يعاقب ضابط واحد من الذين رآهم الناس بأعينهم وهم يقتلون المتظاهرين أثناء الثورة. لقد عاد فلول نظام مبارك للظهور وظهرت شخصيات طالما عملت فى خدمة جمال مبارك وساعدته حتى يرث حكم مصر من أبيه، وكأنها مزرعة دواجن، وظهر من جديد رجال الأعمال الذين صنعوا ثرواتهم بفضل قربهم من مبارك، هؤلاء يمتلكون قنوات فضائية وصحفاً ويلعبون دوراً أساسياً فى توجيه الرأى العام ضد الثورة، ويشنون حملة كبرى للتشهير بكل من اشترك فى ثورة يناير التى يصرون على اعتبارها مؤامرة إخوانية، مع أن الإخوان - كما هو ثابت تاريخياً- لم يشتركوا فى الثورة وأدانوها، ثم قفزوا عليها لما تأكدوا من نجاحها. هناك إذن مخاوف مشروعة من عودة نظام مبارك إلى السلطة ومن قمع المعارضين بواسطة المحاكم العسكرية. ولكن هل تكفى هذه المخاوف لكى نرفض الدستور أو نقاطع الاستفتاء؟! لا أجد إجابة أفضل من الحكاية التى أوردتها فى بداية المقال، فكما قبل الجار التعامل مع الجار الخصم لأن خطر الحريق أكبر من الخصومة، فإننا يجب أن نوافق على هذا الدستور لأن رفضه ستكون له عواقب أسوأ بكثير من المحاكمات العسكرية للمدنيين. إن الاستفتاء الذى سيجرى بعد أيام على الدستور الجديد هو فى جوهره استفتاء على عزل مرسى وإنهاء حكم الإخوان. سيكون يوم الاستفتاء أول مناسبة يثبت فيها المصريون أن ما حدث فى 30 يونيو موجة ثورية أنهت حكم عصابة الإخوان الفاشية وليس انقلاباً عسكرياً، كما يردد الإخوان وأنصارهم. لقد ملأ الإخوان الدنيا صراخاً وعويلاً على ما سموه انقلاباً ضد رئيس منتخب، مع أن هذا الرئيس هو الذى قام بانقلاب ضد الديمقراطية عندما أصدر الإعلان الدستورى الذى ألغى بموجبه القانون ووضع قراراته فوق أحكام القضاء. لا توجد ديمقراطية بدون حق البرلمان فى سحب الثقة من رئيس الجمهورية المنتخب، لكن مصر لم يكن لديها برلمان لأن المحكمة الدستورية قضت بحله. فى غيبة البرلمان من حق الشعب أن يمارس سلطاته بنفسه، ولهذا فإن ما قامت به حملة تمرد، التى جمعت ملايين التوقيعات لعزل مرسى، إنما هو إجراء ديمقراطى تماماً بعد ذلك نزل ملايين الناس ليطالبون بعزل مرسى، وقام الجيش بتنفيذ إرادة الشعب.. الموافقة على هذا الدستور تعنى أن الشعب يوافق على عزل مرسى وإسقاط الإخوان، والعكس صحيح. حتى لو اعترضنا على بعض مواد الدستور فيجب أن نوافق عليه بأغلبية كبيرة، استكمالاً لمسار الثورة التى بدأت فى 25 يناير ثم أصلحت مسارها فى 30 يونيو. إن رفض الدستور أو ضعف الإقبال على التصويت فى الاستفتاء سوف يعود بنا إلى الوراء ويظهر ما حدث فى 30 يونيو على أنه انقلاب، وسوف يعطى الإخوان شرعية لا يستحقونها.. واجبنا أن نوافق جميعاً على الدستور لندفع بلادنا إلى الأمام، ولتكن معركتنا القادمة من أجل بناء مؤسسات منتخبة تحقق العدل والحرية وتمنع مصر من العودة إلى النظام القديم وتمنع المحاكمات العسكرية للمدنيين.. واجبنا اليوم أن نتناسى أى خلافات بيننا، ونجتمع على دعم هذا الدستور بأغلبية كبيرة، لنثبت للعالم كله أن الشعب المصرى هو الذى قرر إنهاء حكم عصابة الإخوان، وأنه الآن يؤسس لدولته الديمقراطية. الديمقراطية هى الحل
الديمقراطية هى الحل

ليست هناك تعليقات:

قران كريم