الخميس، 22 أغسطس 2013

مصر تحتاج هدنة لبلتل فضل

..وما بين مجزرة إرهابية هنا ومذبحة أمنية هناك يبدو الطريق نحو الهدنة أبعد من أحلامنا.

لن أحدثك عن أشياء لم تحدث لي مباشرة، سأحدثك عن تجربتي مع خبير بارز في إحدى العلوم التطبيقية تشرفت بصداقته منذ سنوات وكان يبعث لي على الدوام رسائل تقدير وإعجاب، وحتى عندما كنا نختلف في مواقف سياسية كنا نختلف بشكل متحضر كما يليق بعاقلين راشدين، بالأمس أرسل لي يقول أنه نادم ليس فقط على أنه كان يقرأ لي بل على أنه عرفني أصلا، الخضة جعلتني أتصور أن موقفه له علاقة بفرية نقلها ابن حرام ما، والخضة أصبحت رعبا بعد أن اتضح أنه اتخذ موقفه الحاد لأنني لا أبارك سياسة القتل العشوائي والعقاب الجماعي وأحذر من عواقبهما، عندما اتهمني بتأييد الإخوان حاولت تذكيره بما كتبته في مقالي الذي لم يعجبه وفي غيره من هجوم على قادة الإخوان وتأكيد على اشتراكهم في تحمل مسئولية وضعنا المزري، لكنه قاطعني قائلا «أقل من الدعوة لاجتثاث الإخوان من الوجود الآن ليس سوى خيانة»، تمالكت أعصابي وقرأت له تعليقين وصلاني من مناصرين للإخوان على مقالي الذي لم يعجبه يتهمني أحدهما بأنني خبيث أضع السم في الدسم لأنني كتبت أن أفكار سيد قطب خزعبلات وأن نقل هذه الفكرة لعقول الشباب هو الهدف الحقيقي من المقال، في حين لعنني صاحب التعليق الثاني لأنني أرفض عودة مرسي إلى الحكم كاشفا أن الهدف الحقيقي من مقالي ترويج رقم كاذب للقتلى في رابعة الذين زاد عددهم عن خمسة آلاف قتيل وأنني مكلف بذلك من الأجهزة الأمنية، قلت لصديقي «العالم»: أشخاص بمثل هذا الغباء لن تنجح أعتى قوة مسلحة في اجتثاثهم ولن تزيدهم الغباوة إلا بقاءا وفتكا، ثم شكرت له ليبراليته المدهشة التي ترى في الدعوة للعقل خيانة، وتركته لحال سبيله.

ذات كوفي شوب بالأمس دفعتني الصدفة الأليمة لمشاهدة حوار تلفزيوني مع سفير سابق لم أتشرف لحسن الحظ بمعرفة اسمه، كان يقول للمشاهدين أنه متألم لما حدث من مذبحة بشعة لضباط الشرطة في كرداسة، بالطبع لا يوجد إنسان سوي لم يتألم لما حدث ولم يستنكره، لكن سيادة السفير انفرد عنا جميعا بدعوة المواطنين لمقاطعة كرداسة وعدم شراء منتجاتها وعدم التعامل مع أهلها من هنا ورايح، ظللت أدعو الله أن يستدرك بالقول أنه لا يتحدث عن كل أهل كرداسة بل فقط عمن اشترك منهم في الحادث الوحشي لكي لا يزيد كلامه الأهوج الطين بلة، ثم دعوت الله أن تذكره المذيعة بما جره علينا العقاب الجماعي لأهل سيناء في أيام مبارك من بلاوي ندفع ثمنها حتى الآن، وللأسف لم يستجب الله لدعائي في المرتين، بل ابتلاني بأن أرى سيادة الدبلوماسي الأريب يختم كلامه بتمنيه أن يكون لدينا في مصر جهاز جستابو لينقذنا مما نحن فيه.

واحد من كبار الأطباء الذين أثق في وطنيتهم وجدعنتهم نشر في مقال له حلا جامعا مانعا لأزمتنا هو بنص كلماته والله: حصر أسماء كل من ينتمي إلى تنظيم الإخوان لاجتثاثهم من بلادنا، ولم يكتف بذلك بل أكد على ضرورة حصر أسماء كل من يتعاطف معهم سواء كان متعلما أو جاهلا للقيام بعزله وتأهيله نفسيا وفكريا، أحدثك هنا عن كلام تنشره صحيفة كبيرة ويقوله ليبرالي كبير لم يجد غضاضة في أن ينصحنا باللجوء إلى منهج هتلر الذي حاول القضاء على اليهود فدمر ألمانيا ولم يقض على اليهود، ولا زالت ألمانيا حتى الآن تدفع ثمن تصفيق أغلب أهلها لهتلر وحلوله الهوجاء لإبادة «الأغيار».

لاحظ أنني أحدثك عن آراء لأناس حصلوا على درجاتهم العلمية من دول غربية لو نشروا هذا الكلام فيها لوقعوا تحت طائلة القانون بتهمة نشر الكراهية والدعوة للعقاب الجماعي، سأترك لك تصور ما يمكن أن يقوله إذن الذين لم ينالوا حظا من العلم والتمدن ومعرفة تجارب العالم المتحضر، ثم سأطلب منك أن تتذكر ولا أظنك قد نسيت كم الحماقات والجهالات والسفاهات التي قالها رموز الإخوان على منصاتهم الكريهة منذ مظاهرات جامعة القاهرة عقب الإعلان الدستوري المشبوه ولا زالوا يرددونها حتى الآن دون اعتذار أو مراجعة أو نقد ذاتي، ثم أترك لك تصور مستقبل بلد لا يعلو فيه إلا صوت الحمقى من كل الإتجاهات.

ستسألني عن الحل، وسأظل أكرر أن السياسة هي الحل الوحيد، وأن البلد التي تموت فيها السياسة بلد قررت الإنتحار، كان يدعونا إلى ذلك شخص اسمه محمد البرادعي لم أكن يوما من دراويشه ومؤيديه في الفاضية والمليانة، لكنه عندما دعا إلى حل سياسي طويل النفس، وعندما كان على وشك إنجاز مبادرة للحل مع الإخوان نشرت تفاصيلها صحيفتا (الشروق) و(نيويورك تايمز)، قال له سفاح الداخلية محمد ابراهيم في اجتماع رسمي أن اعتصامي رابعة والنهضة بهما مضادات للطائرات والدروع وأسلحة ثقيلة فتاكة ومقاتلون من حماس مدربون على أعلى مستوى، فانتصر منطق الأمن على منطق السياسة، وعندما ظهر نفس الوزير في مؤتمر صحفي ليقول أنه تم ضبط تسعة بنادق آلية فقط ولم يظهر أي أثر لكل ما تحدث عنه، كان الذي استقال من منصبه هو البرادعي بينما ظل محمد ابراهيم في منصبه محميا مسنودا مدعوما، لتتواصل غشومية أداءه الأمني التي تعطي الإرهاب مبررا للمزيد من الخسة والعربدة.

للأسف الشديد لن يتوقف الجنون الذي يفتك بنا إلا عندما يتقبل الجميع حقيقتين يمكن بعدهما أن نصل إلى هدنة تمكننا من التفكير سويا في حل، الحقيقة الأولى: استحالة عودة محمد مرسي إلى الحكم، الحقيقة الثانية: استحالة إخراج تيارات الشعارات الإسلامية من المعادلة السياسية تماما وخطورة التركيز على الحلول الأمنية فقط. ما لم يتفق الجميع على ذلك، سنبقى نعد الضحايا ونشيع الجثامين ونتبادل الفيديوهات التي نستخدمها للعن بعضنا البعض، وعندما يأتي يوم ندرك فيه عدم جدوى ما نفعله ونتفق على هاتين الحقيقتين كبداية، ستكون مصر قد وضعت قدمها على أول الطريق الذي سيسير فيه من بقوا منا أحياء.

يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف.

ليست هناك تعليقات:

قران كريم