السبت، 23 فبراير 2019

مقارنة بين فرعون وابو جهل

كنت أتناقش مع أحد الأصدقاء عمن هو أسوء البشر، فقلت : هو فرعون ؛ لأنه ادعى الربوبية ، ورفض تسع آيات بينات جاء بها موسى عليه السلام، وقد نجّى الله جسده ليكون آية للناس ، ويُحشر يوم القيامة مع هامان ، ويُدخل أشد العذاب ، ولكن صاحبي خالفني الرأي فقال : إن أسوء إنسان هو أبو لهب ؛ لأن سورة بأكملها في القرآن وردت في ذمه ، ولأنه آذى النبي صلى الله عليه وسلم أشد الإيذاء ، ولكني لا أعتقد أنه في نفس درجة فرعون من السوء ، فما رأيكم

الحمد لله
أولا :
الانشغال بمثل ذلك والجدال فيه ، يضيع على المسلم أوقاتا وجهدا كان يمكنه أن ينفقها فيما هو أنفع له وللمسلمين حوله .
فالمسلم يحتاج إلى معرفة أكمل الناس إيمانا وأحسنهم أخلاقا حتى يقتدي بهم ، ويعمل مثل أعمالهم ، أكثر من حاجته لمعرفة أشد الناس كفرا .
ما دام قد تقرر عند المسلم : أن الشخصين المذكورين : هما كافران بالله ، عدوان له ، قد توعدهما الله في كتابه بأشد العذاب .
لكن إذا كان قصد المسلم بهذا معرفة هؤلاء ليكون أشدا حذرا من أفعالهم ، ويحذر الناس منها فلا بأس بذلك .

ثانيا :
إذا نظرنا إلى هذين الرجلين وأقوالهما وأعمالهما ، وما نزل فيهما من آيات في القرآن الكريم ، فإننا لا نشك أن فرعون أشد كفرا وعتوا من أبي لهب ؛ فإنه كان قد ادعى الربوبية والألوهية ، ودعا الناس إلى تقديسه وتعظيمه ، واستخف قومه فأطاعوه ، وأضل جنده فنصروه ، وعادى أولياء الله ، وعذب الناس ، وذبح أبناءهم ، واستحيا نساءهم ، ولم يُذكر جبار متكبر في القرآن كما ذكر هذا الطاغية ، فذُكر بقبيح أقواله وأفعاله ، وذكر بظلمه وعتوه وجبروته ، وذكر بإضلاله الناس وإغوائهم ، وذكر بمصيره السيء يوم القيامة ، قال تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) غافر/ 46 .
أما أبو لهب : فقد كفر بالله وبرسوله ، وعادى على ذلك ، ووالى على ذلك ، ومات على كفره وخسرانه ، ولم يكن له نكاية في المؤمنين كما كان لفرعون ، ولا كان في الكفر كما كان فرعون الذي ادعى الربوبية والألوهية وقال : (أنا ربكم الأعلى) ، وقال : (ما علمت لكم من إله غيري) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ أَهْلِ الْمِلَلِ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: أَنَّ فِرْعَوْنَ مِنْ أَكْفَرِ الْخَلْقِ بِاَللَّهِ ؛ بَلْ لَمْ يَقُصَّ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ قِصَّةَ كَافِرٍ بِاسْمِهِ الْخَاصِّ أَعْظَمَ مِنْ قِصَّةِ فِرْعَوْن َ، وَلَا ذَكَرَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ مِنْ كُفْرِهِ وَطُغْيَانِهِ وَعُلُوِّهِ : أَعْظَمَ مِمَّا ذَكَرَ عَنْ فِرْعَوْنَ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (2/ 125) .
والله تعالى أعلم .


من دروس التاريخ:أبو جهل فرعون هذه الأمّة بقلم:محمود عبد المالك

تاريخ النشر : 2007-08-25

من دروس التاريخ:

أبو جهل فرعون هذه الأمّة

قيل لأبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة المخزوميّ القرشيّ: لماذا لا نتسوّر على محمّد بيته؟! 

قيل هذا في مؤتمر عقد لمناقشة موضوع قتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكلّ يدلي برأيه للتخلص من الرجل الذي يسفّه آلهة القوم. 

فماذا قال أبو جهل؟ ماذا قال الذي ما ادّعى يوما أنّه مسلم، ولا كان من أصحاب شعار "وحدة وطنيّة - إسلام ومسيحيّة"! ولم يكن منتميا لأيّ حزب، ولم يشتبه في أنّ له علاقة بأصحاب الزمامير؟! ماذا قال هذا الرجل الكافر المملوء قلبه غيظا وحقدا على محمّد عليه الصلاة والسلام؟ ماذا قال أشدّ الناس عداوةً للنبيّ محمّد صلّى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين؟ قال أبو جهل: لا والله لا أفعل فتتحدذث العرب عنّي أنّي أروّع بنات محمّد! استنكر أبو جهل أن يتسوّر وأصحابه البيت ويدخلوه وفيه النساء -بنات النبيّ محمد صلى الله عليه وسلّم- فيروّعن! "فتتحدّث العرب عنّي أنّي أروّع بنات محمّد"! وتقول عنّا العرب إنّنا روّعنا بنات محمّد؟!

خاف هذا الكافر من مغبّة التسوّر ودخول بيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأن يعيّر في العرب بأنّه روّع بنات محمّد عليه الصلاة والسلام، لم يرد أن يوصم بأنّه أخاف بنات عدوّه! "فتتحدذث العرب عنّي أنّي أروّع بنات محمّد"! وتقول عنّا العرب إنّنا روّعنا بنات محمّد؟!

أين نحن الآن من هذه الأخلاق؟ أخلاق رجل كافر في زمن الجاهليّة تمنعه من دخول البيوت وأهلها -وهم أعداؤه- آمنون نائمون، ولا تمنع أخلاقنا الإسلاميّة بعض أناس من التسوّر ودخول البيوت وترويع البنات الآمنات! "فتتحدّث العرب عنّي أنّي أروّع بنات محمّد"! وتقول عنّا العرب إنّنا روّعنا بنات محمّد؟! 

ألا فلتتحدّث عنّا العرب وغير العرب أنّنا روّعنا أخوات بنات محمّد عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة وأتمّ التسلبم! ولتتحدّث العرب والعجم والدول الأوروبيّة المانحة أنّنا لم نتورّع عن ترويع البنات وإذلال الرجال في وطننا في فلسطين، أو ما بقي لنا من فلسطين، روّعناهم وأذللناهم في الضفّة والقطاع ونحن نزمّر ونطبّل هنا وهناك، ونتشدّق بالحفاظ على الأمن المفقود مرّة، وبالضرب على أيدي العابثين بهذا الأمن مرّة، وبالحفاظ على المكتسبات الوطنيّة -التي سمعنا عنها فيما بعد- مرّة، وباستعادة هذه المكتسبات مرّات!

كنت -قبل سنوات- عائدا إلى القطاع في الإجازة الصيفيّة، وزرت يومها-وأنا الضيف- قريبا لي لم يستطع أن يأتي هو ليزورني، وذلك -كما قال- لأسباب تتعلّق بالأمن الوطنيّ في مصر والأردن وسوريا ولبنان، وأراد أن يقول العراق، ولكنّني ذكرت له أنّها ليست من دول الجوار فتركها على مضض، ولعلّه فكّر في إضافة السودان! ما علينا! قال هذا وهو ينظر حوله إنّ الشباب (وهم غير الذين خطروا ببالك الآن أيّها القارئ) دخلوا بيته في عزّ الليل، ولمّا كان الرجل متعبا ومستغرقا في النوم فقد صحت أمّه وزوجته على صوت الشباب وقعقعة السلاح، فاندفعتا قائمتين من فراشهما تصرخان في وجه هؤلاء الشباب، وتذكّرانهم بحرمة البيوت، فيردون عليهما بالسبّ المهين والشتائم المنوّعة والممنوعة في قوانين الأمم المتّحدة وغير المتّحدة أيضا، ثمّ يدفعون الزوجة عن باب غرفة النوم قائلين: (احنا ما بدنا ايّاك، احنا بدنا المعرّص اللي جوّه)، وأتبرّع بترجمة -لوجه الله- هذه العبارة لمن لا يعرف عامّيتنا، قالوا: "نحن لا نريدك، نحن نريد الديّوث –أو القوّاد- الموجود في الغرفة!

ما أجهلك يا أبا جهل! صحيح أنّك أبو جهل، وهذا ما دعاك به المسلمون، بل أنت أبو الجهل كلّه، تخاف أن تتحدّث العرب عنك بقالة السوء وأنت لا تخاف الله، ونحن لا نخاف أن تتحدّث عنّا الناس بكلّ سوء، وأيضا لا نخاف الله، وبالعلاقات المنطقيّة تكون أنت يا أبا الجهل أعلم وأعقل من الشباب، بل أنت أفضل من هؤلاء الشباب وممّن خلفهم، ولهذا سوّدتك العرب، فما أحكمك يا أبا الحكم وما أجهلنا! 

صحيح أنّ الرجل -أبا جهل- مات كافرا، فقد قتل في معركة بدر الفاصلة، ولنا في غيره من المسلمين قدوة، ولكنّي لم أختر الرجل إلاّ لشدّة الفرق بين رجل كافر ذي مروءة وبين آخرين ينتسبون إلى الدين وليسوا بذوي مروءة، والحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها أخذها، وهو درس لم يعتبر به المعتبر، فليس فينا من يعتبر إلاّ من رحم ربّك، وأخاف أن نندم... ولكن بعد فوات الأوان، أو كما يقال: "بعد أن تقع الفاس في الراس"! ولا أحبّ أن تقع الفأس في الرأس، بل أريد أن تبقى كلّ الرؤوس سالمة، وأريد أن يبقى الكلّ في أمان، ولا أريد أن يندم أحد، فهل أنا في ذا يا أيّها الناس حالم؟!

وكتب محمود عبد المالك

mahdeid@hotmail.com

ثاني عشر شعبان لسنة 1428هـ

جميع الحقوق محفوظة لدنيا الوطن © 2003 - 2017

ليست هناك تعليقات:

قران كريم